يحيل زمن المقاومة الثقافية على الميلاد التأسيسي المزدوج الذي عبرت عنه من جهة محطة المؤتمر القومي العربي الذي رأى النور عام1991،على خلفية زلزال الخليج الامريكي الأطلسي الصهيوني المدمر ضد عراق الرئيس صدام حسين،وهو بالمناسبة تجمع ثقافي سياسي غير حزبي جامع لنخب فكرية سياسية وطنية قومية يوحدها منطق المحازبة لخط المواجهة داخل الأمة.
ومثلما وضع هذا التجمع القضية الفلسطينية ضمن صدارة اولويات واهتماماته الاستراتيجية الكبرى والحيوية.فانه أبان عن توجه معارضة ثقافية سياسية واضحة ضد التطبيع مع عصابات الارهاب والإبادة الصهيونية،وضدالتبعية المذلة والمهينة لنخب الدولة القهريةالعربية التي رهنت السيادة والقرار الوطني بيد مراكز الهيمنة السياسية والسيطرة المالية الاجنبية،وضد التغول العسكري والبوليسي المعولم في مواجهة الشعوب المستضعفة وكل ارادات الاستقلال وامتلاك ناصية العلم والمعرفةالتكنولوجية…انه مؤتمر يوحده منطق الانتماء لهوية ثقافيةقومية ديمقراطيةمتعددة المكونات.
في حين عبرالوجه الثاني للحدث التأسيسي لهذا الزمن،عن نمط من الولادة المماثلة التي تجلت في ارساء اسس المؤتمر القومي الاسلامي الذي عد الفقيه البصري احد مهندسيه وائمته الكبار.
لقد لعب حدث الميلاد التأسيسي المزدوج الذي واكبه الفقيه البصري من موقع الصياغة والصناعة،دورا نوعيا مؤثرا في تشكيل مساحة اساس من قناعته المبدئية ذات الصلة العضوية الوثيقة باطروحة الكتلةالتاريخية التي دافع عنها المفكر الفذ و الفيلسوف العربي ذ.عابدالجابري،ونافح عنها ذ.عبدالالاه بلقزيز،والتي بدت حينهاصيغة وحدويةمن صيغ تفعيل خارطةالقوى الشعبية العربية،وأحدركائزودعائم المشروع الحضاري والنهوض المؤجل.
تكمن مأثرةهذين التجمعين في امتلاك ناشطيهما ومثقفيهما للمقدرة الفكريةوالارادةالسياسية،التي سمحت الفريقين بتجاوزوقائع مريرةونوازل ماضي الفواجع الدموية الذي حكم علاقةالفكرةالقوميةكممارسةفي السلطة(التجربةالناصرية،تجربةالبعث في طبعتيه العراقية مع صدام حسين والسورية مع حافظ الاسد)بفريق محسوب على معسكر الاسلام الحركي ذو النزوع الراديكالي،ونعتقدأن ندوب سيد قطب،وباقرالصدر،وحماه…كانت شعارمرحلةوواقع لحالةصداميةطبعت العلاقة بين التوجهين،ضمن سياق ملابسات تاريخية،سياسية وايديولوجية معلومة.
واتسم الزمن الثالث من المنازلة،النمط الثقافي الفاعل والحركي المحكوم بخلفيةسياسيةواضحة،بنضال الفقيه ورفاقه المطبوع بمساهمته التاريخية في دعم القضية الفلسطينية التي شغلت محورتفكيره ونشاطه الميداني منذتواجده بمنفاه الاضطراري،لتأخذ(القضية)منحى تمثلياجمعيامنظمابمرتكزات فكريةسياسيةذات طبيعةشعبيةمرحلةالميلادالتأسيسي.
لقدظل الفقيد محمدالبصري قبل رحيله مسكونابهاجس قومي حيوي يقوم أساساعلى التفكير في اچتراح صيغةسياسيةعمليةمحددةلدعم المقاومة الفلسطينية على ضوء الهجوم المدمر الذي قادته عصابات الهاغانا الجديدة ضدالشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية آنذاك بقيادةابوعمار.
لم تخضع ازمنةالمقاومات الثلاث التي طبعت السيرة التاريخية الفقيه وصحبه لمنطق القطائع المجردة،بل حافظت على امتدادات لامرئية جسدتها بعض الجسور الرمزية التي قاومت بدورها إمكانية ترسيم هذه القطائع.نسوق مثالا على ذلك،اذ بالرغم من كون الزمن الاول قدخضع في منطق تشكله الذاتي التاريخي لسياق وطني،الاانه قدتم في اطارديناميةعلاقةانفتاحيةمتعددة مع حركات استقلال وتحرروطني في الجزائرومصر..وهوما يعني من جملة ما يعنيه ، هيمنة نمط من الجدل بين الوطني والقومي–بل والطبقي احيانا-ابان معركة الاستقلال النسبي،كما نعتقد-من جهة ثانية ان في واقعة الصدع الجهيرللفقيه البصري التي تكررت في كل مناسبة إعلامية وسياسية غداة انتقال الملك لمحمدالسادس،بمقترح سياسي يطالب القصر-كنمط من انماط ممارسة السلطة و التوجيه السياسي العام للمجتمع ـ بتوثيق عرى الرباط مع رموز الحركة الوطنية وفق صيغة مغايرة كما حصل ابان معركة الاستقلال النسبي.
برحيله شهر تشرين 2003،يكون الفقيد قدحمل معه-الى مستقره الاخيرـ اضاءاته التي كان من المفترض تسليطها على مناطق معتمة و مسكونة بمساحات الظل واحزمة البياض التي تخللت تطور مسيرة الحركة الوطنية.بفقدانه ايضا تكون القضايا القوميةالكبرى-والاطارات المعبرة عنهاـ قدخسرت احد شيوخها..وعلى الرغم من الجدال والسجال الصاخب-الذي طبعه انحطاط واضح وعهرسياسي ـ المثارحول السيرة التاريخية لمحمد البصري(حركيته المزدوجة،سواء في قلب وقائع الزمن السياسي المغربي وداخل عواصفه من جهة،وعلاقته المتعددة بالمحيط القومي الشعبي والرسمي من جهةثانية) الا انه ظل حلقة مركزية داخل ازمنة المقاومات الثلاث،مثلما ارتفع إلى خانة المؤسسين التاريخيين لثقافة المبدأ ومتون المثال على تبدلات النخب وانقلابات الخطاب المدوية.