سخاء الحكام العرب إزاء الغرب بين الأمس واليوم

أحمد رباص – تنوير
تحدثنا كتب التاريخ وأدبياته عن علاقة الدولة الأموية بالإمبراطورية البيزنطية اللتين كانتا أحيانا على غير وئام، وصارتا أحيانا أخرى متصالحتين بعد إبرام اتفاقيات هدنة وسلام.
ففي سنة 58 ﻫ/ 678 م،أبرم معاوية بن أبي سفيان مع البيزنطيين الاتفاقية السلمية الرابعة وهو في موقع الخلافة. وقد حددت مدتها في ثلاثين سنة. وتقتضي هذه المعاهدة التزام الخليفة الأموي بدفع ضريبة سنوية مقدارها ثلاثة آلاف قطعة من الذهب وخمسون عبداً وخمسون حصاناً عربياً أصيلاً، مع إطلاق سراح خمسين أسيراً من البيزنطيين.
كعادته، يعرض المؤرخ البيزنطي “ثيوفانيس” أسباب هذه الاتفاقية فيرجعها إلى القلاقل والاضطرابات التي أثارها الجراجمة المقيمون في الثغور الإسلامية المتاخمة للدولة البيزنطية، مما سبّب قلقاً لدى معاوية، وهو ما حدا به إلى إرسال سفارة للإمبراطور البيزنطي قسطنطين الرابع لتأمين سلامة حدود بلاده الشمالية. وخلال هذه السفارة، حظي المبعوث الأموي باستقبال رائع من قبل العاهل البيزنطي، ولقي كل أشكال الحفاوة. وبدأت المفاوضات في القسطنطينية، ثم عاد السفير إلى العاصمة الأموية مصحوباً بالمبعوث البيزنطي لدى الإمبراطور لتتمة المفاوضات التي انتهت بالمصادقة على الاتفاقية، واحتفظ كلا الطرفان بنسخة منها. وبعد عقد الاتفاقية عاد السفير البيزنطي إلى القسطنطينية محملاً بالهدايا الثمينة، وهو مؤشر لا يقبل الجدل حول نجاح سفارته.
ويرجع بعض الدارسين أسباب عقد هذه المعاهدة إلى أن معاوية بن أبي سفيان كانع يتوخى منها تهييء ظروف انتقال الخلافة إلى ابنه يزيد في مناخ سلمي، وبالتالي إبعاد الخطر البيزنطي من دائرة المطبات التي قد تعيق توريثه الخلافة.
في المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، وقع الرئيس الأمريكي في غضون ماي الأخير سلسلة من العقود الباهرة. لكن في ظل تطرف دولة إسرائيل، من غير المتوقع تحقيق أي تقدم سياسي.
أدى أمراء دول الخليج الثلاثة، التي استضافت آنذاك ترامب في جولته الرئاسية الأولى، دور الحكماء الثلاثة. في هذا الصدد، قال أندرياس كريغ، المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط: “بالنسبة إلى الجانب الخليجي، هذه الاستثمارات تتجاوز بكثير كونها مجرد صفقات تجارية، بل هي أوراق ضغط في المعاملات الاستراتيجية”.
استقبلت المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة الرئيس الأمريكي بحفاوة بالغة. ومنحته الدولة الأولى ستمائة مليار دولار، أعطته الإمارة الثانية مثل ذلك المبلغ المسيل للعاب، بينما وهبته الدولة الثالثة أكثر من ضعف ما وعدت به.
وكعلامة على نجاح ولايته الثانية، عاد الرئيس ترامب إلى الولايات المتحدة مستمتعا بسخاء صناديق الثروة السيادية لهذه الدول، التي تُعدّ من أغنى دول العالم من حيث عدد السكان.
متخليا عن حلفاء الولايات المتحدة التقليديين (كندا، المملكة المتحدة، إلخ..)، استهل ترامب ولايته الأولى بزيارة الرياض. واتخذت الزيارة طابع لقاء بين أصدقاء قدامى.
في منتدى دافوس الأخير، أكد دونالد ترامب مازحا أنه ينوي مطالبة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان بزيادة مبلغ الاستثمار المخطط له إلى تريليون دولار.
ومن قطر تلقى الرئيس الأميركي ترامب هدية عبارة عن طائرة فاخرة من نوع بوينغ 747-8 جامبو قدر ثمنها بـ400 مليون دولار، رغم أن الدستور الأميركي يحظر على المسؤولين الحكوميين تلقي هدايا “من أي ملك أو أمير أو دولة أجنبية”.
وصفت وسائل إعلام أمريكية الطائرة الممنوحة لترامب بأنها “قصر في السماء” بقيمة 400 مليون دولار. وفي خضم الجدل الذي أثاره خصومه الديمقراطيون عن هذه الهدايا، اعتبر ترامب رفض الهدية من قطر “حماقة” ما بعدها حماقة.