مجالي عبقرية شعب المغرب

بقلم الأستاذ: نجيب خياط
كيف احتضن المغاربة نبتة الشاي، وأحاطوها بطقوس، تملأ المجالس دفء؟ وكيف تنوع الكسكس والطاجين عبر المناطق والمناسبات ليصبحا لغةً تحكي التاريخ والناس والظروف؟ من صنع “الحريرة” و”البسطيلة” وأبدع في المطبخ المغربي، ففتح قلبه لأطباق العالم من “بيتزا” و”سباغيتي” دون عقد؟ ومن الحلوانيين من ابتكر “الغريبة” و”الفقاص” و”كعب الغزال” و”المخرقة” و”الشباكية”، محافظا على الذوق والحلال والجمال والتقاسم، وفي الوقت نفسه وفيّا للماضي ومجتهدا عبر القرون؟
ومن ينسى التنوع الموسيقي والإيقاعي: “أحيدوس”، “أحواش”، “عبيدات الرما”، “الركادة”، “الكدرة”، الشيخات والشيوخ؟… إبداع مشترك بين الرجل والمرأة، يختلف باختلاف المناطق، ويتحد في الروح. أما الصناعة التقليدية، فهي “تادلاكت” والصباغة البيولوجية، والنقش على الخزف والعود، والزليج البلدي، والنسيج بكل ألوانه، وتحويل المواد البسيطة إلى أشكال آسرة بتقنيات ضاربة في التاريخ. وحتى الرياضات الشعبية – من “لمشايشة” و”لمعابزة” و”لكورارا”، إلى الفروسية التي تجسد نخوة المغاربة في جمال الفرس الأصيل وشموخ الفارس بلباسه التقليدي – كلها شاهدة على عبقرية هذا الشعب.
شعب يتقن الجمع بين الاختلافات، ويتكلم لغات العالم دون خوف على هويته المتعددة، وأنجب المنجرة والجابري والمختار السوسي وابن بطوطة وبن سعيد آيت إدر والخطابي وسعيدة المنبهي والمجاطي والتولالي، وغيرهم في كل الميادين. شعب عبقري، مسالم، مقاوم، صابر… ألا يستحق الاحترام؟ ألا يستأهل أن نرفع له القبعة، وأن نحبه ونفديه؟
لكن، لا أحد يتحدث عنه كما يليق. تيار حداثي يراه متخلفا، ويريد ذوبانه في حضن الغرب، وتيار ماضوي يريد إرجاعه إلى الوراء باستغلال إيمانه. أما الدولة، فبلا مشروع ثقافي، لا ترى إلا استمرار سلطتها. الأحزاب منهكة بالمصالح، والمثقفون إمّا خانعون أو مرتزقة أو مقصيون. الصحافة، في كثير من وجوهها، تمتص دماءه وتتهمه بكل نقيصة، حتى صرنا نسمع من يصفه بأنه بلا قيم، وكأن سبب خراب البلاد هو الشعب نفسه.
قوة الشعب تكمن في نعومة ما يصنعه للحياة، حبة حبة، بتأنٍ وأسرار… وهكذا ينهض، و ينهض التاريخ معه. فلنقرأ عشقه للحياة حتى لا ينفجر ويكون مُدمِّرا.
خ. ن🌹💥🌹