الغاء مهرجان التبوريدة ببرشيد يعرّي خللاً بنيويًا في تدبير الشأن الجمعوي والجماعي

عزيز الحنبلي
أعلنت جمعية مهرجان برشيد عن تأجيل الدورة الثالثة والعشرين من المهرجان الصيفي للثقافة وفن التبوريدة، التي كان مقرراً تنظيمها ما بين 26 و31 غشت بمدينة برشيد، إلى موعد لاحق يُحدَّد وفق المستجدات. ويأتي القرار، بحسب الجمعية، بسبب عدم التوصل بالدعم المالي الكافي وتعقيد بعض المساطر الإدارية، وذلك رغم توقيع اتفاقية شراكة وتعاون اليوم بالرباط بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة وجمعية مهرجان برشيد بهدف تنظيم النسخة 23 من التظاهرة.
توضح الجمعية أن الاتفاقية مع الوزارة تُوضع في سياق دعم التراث الثقافي المادي وغير المادي لحاضرة أولاد حريز، وعلى رأسه فن الفروسية التقليدية، وخاصة “التبوريدة”، وتعزيز الإشعاع الثقافي لمدينة برشيد عبر مهرجان يعكس غنى الموروث الشعبي ويسهم في تنشيط الحركة الثقافية والرياضية والسياحية بالإقليم. غير أنّ اجتماعاً استثنائياً للمكتب المسير، عُقد يوم الإثنين 18 غشت 2025 لتقييم حصيلة التحضيرات الأدبية والمادية واللوجستيكية، خلُص—بكل أسف—إلى ضرورة التأجيل بسبب غياب الدعم اللازم من عدد من الشركاء المؤسساتيين والرسميين، وفي مقدمتهم مجلس جماعة برشيد.
وتبرز الجمعية أنّ غياب الدعم المتفق عليه خلال هذا العام مع الجماعة يُجهض جهوداً مكثفة بُذلت لتحضير دورة تليق بتاريخ “عاصمة أولاد حريز” وبمهرجان يمثل عراقتها ويمنحها إشعاعاً هي في حاجة ماسّة إليه، فضلاً عن كونه ينسف واحدة من الفرص القليلة التي دأبت على تمكين ساكنة الإقليم من حقّهم في الترفيه الثقافي والفني. وعلى الرغم من تأكيد دعم وزارة الشباب والثقافة والتواصل وفندق “هوسبيتاليتي إن”، إلى جانب مساندة شخصيات محلية ، فإن هذه المساهمات—مع التقدير لأصحابها—لا تكفي، في غياب مساهمة مجلس الجماعة، لتغطية الكلفة الشاملة لتنظيم دورة ترقى إلى المكانة الرمزية والثقافية للمهرجان.
وفي مستجد لافت، أكّد السيد الحاج أحمد بوكريزية تقديم استقالته من رئاسة جمعية المهرجان الثقافي وفن التبوريدة ببرشيد، في خطوة تضيف بعداً تنظيمياً إلى الصعوبات المالية واللوجستيكية الراهنة. وتقول الجمعية إنها حرصت، انطلاقاً من مسؤوليتها الثقافية، على التحضير الجاد والمبكر لدورة هذه السنة، غير أنّ تجاهل بعض الجهات المعنية حال دون ترجمة هذا المشروع الثقافي إلى واقع، داعيةً إلى تثمين الإرث الفروسي المحلي والعمل على ضمان استمراريته.
على الضفة الأخرى، المجلس البلدي متشبت بتنظيم سهرات غنائية كما كشفت تعليقات جزء من المتابعين للشأن المحلي عن أولويات معيشية مستعجلة يعتبرونها أَولى بالمعالجة خلال هذا الصيف، من قبيل تحسين الخدمات الأساسية، والتصدي لانتشار الكلاب الضالة، والعناية بالأشخاص في وضعية صعبة، ومعالجة الانقطاعات المتكررة للماء الصالح للشرب والكهرباء، وتوفير مسابح مجانية وملاعب للقرب، وحل الإكراهات المرتبطة بالمجزرة القديمة على أمل تسريع إخراج المجزرة الجديدة إلى حيّز الوجود. وبالمقابل، يرى آخرون أنّ تنظيم أيام ثقافية ورياضية وفنية—وبينها التبوريدة بوصفها تراثاً عريقاً بمنطقتي أولاد أحريز والشاوية—يمثل رافعةً للحفاظ على الهوية المحلية وتنشيط الدورة الاقتصادية والثقافية إذا ما أُحسن تدبيره وتمّ تأمين تمويله بشفافية واستدامة.
وتتقاطع هذه النقاشات مع تساؤلات مشروعة حول أسباب تعثّر تنظيم تظاهرة بهذا الحجم في مدينة تزخر بالأعيان والفاعلين الاقتصاديين وتحتضن منطقتين صناعيتين؛ إذ يلفت مقارنون النظر إلى مبادرات قروية مجاورة نجحت—بموارد محدودة أحياناً—في إقامة مهرجانات للتبوريدة وفّرت حاجيات “السربات” وحققت صدىً طيباً. ومن هنا تتعالى الدعوات إلى مقاربة تشاركية تجمع القطاع العام والخواص والمانحين المحليين، بما يضمن توزيعاً عادلاً للأعباء المالية ويفتح الباب أمام رعاية مؤسسية طويلة الأجل، بعيداً عن الارتجال الموسمي.
وتختتم الجمعية بالتأكيد على التزامها بالتواصل لاحقاً مع الشركاء والمتعاونين الذين أبدوا استعدادهم للانخراط في نسخة هذه السنة، ومع الجسم الإعلامي المحلي والوطني، لإبلاغهم بالتاريخ الجديد المقترح لتنظيم التظاهرة، وذلك متى ما توفّرت مستجدات تمكّن من إقامة المهرجان في المستقبل القريب. ويبقى الأمل معلّقاً على تفعيل الشراكة الموقّعة، وتوسيع قاعدة الداعمين، وإرساء حوكمة مالية وتنظيمية قادرة على تحقيق معادلة صون التراث وتلبية حاجات الساكنة الراهنة في آنٍ معاً.