تشكل الجامعة في أي مجتمع رافعة أساسية للعلم والمعرفة، ومجالاً لصقل الكفاءات وإعداد أجيال قادرة على المساهمة في بناء الوطن. غير أن ما يحدث أحياناً داخل بعض المؤسسات الجامعية بالمغرب يعكس واقعاً مغايراً تماماً لهذه الأدوار النبيلة، إذ تتحول الإدارة إلى عائق أمام مسار الطالب بدل أن تكون جسراً لتيسيره.
من أبرز الأمثلة على ذلك ما وقع مؤخراً لطلبة ماستر دراسات في التراث المادي واللامادي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، التابعة لجامعة السلطان مولاي سليمان، حيث فوجئ هؤلاء الطلبة بحرمانهم من شواهد النجاح برسم الموسم الجامعي 2025/2024، رغم استيفائهم لجميع الشروط العلمية البيداغوجية، من اجتياز المجزوءات بنجاح إلى مناقشة بحوث التخرج أمام لجان أكاديمية مختصة.
هذا الحرمان لم يكن مجرد خطأ إداري عابر، بل ترتبت عنه عواقب وخيمة على مستقبل هؤلاء الشباب، إذ حال دون تسجيلهم في سلك الدكتوراه بالجامعات المغربية، وأغلق أمامهم أبواب المشاركة في مباريات أكاديمية كان من حقهم الترشح لها. إن الأمر يتعلق إذاً بحرمان صريح من حق مكتسب، جاء نتيجة لا مبالاة إدارية واستهتار واضح بشؤون الطلبة.
ولعل ما يزيد من حدة الموقف أن ردود الإدارة لم تكن على مستوى الحدث، إذ أكد موظف مداوم بعد أن استفسره الطلبة المعنيون،أجرى اتصالاته بزملائه ليتضح أن السبب هو “عدم التوصل بمحاضر المناقشات “، وكأن مصير الطلبة رهن بورقة إدارية عالقة بين مكتب وآخر. في اتصال بإدارة جريدة تنوير ، عبّر بعض الطلبة المتضررين عن استنكارهم الشديد لهذا الوضع، معتبرين أن الأمر يعكس غياباً تاماً للحكامة الجامعية وروح المسؤولية.
إن ما حدث لهؤلاء الطلبة لا يمكن النظر إليه كواقعة معزولة، بل هو تجلٍّ لأزمة عميقة يعيشها التدبير الإداري في بعض الجامعات المغربية، حيث تغيب الشفافية، وتُهمَّش مصلحة الطالب، وتُقدَّم البيروقراطية على الكفاءة والجدية. والنتيجة هي فقدان الثقة في المؤسسة، وضياع سنوات من الجهد والمعاناة التي كان من المفترض أن تُكلل بالنجاح.
من هنا، يصبح التدخل العاجل لرئاسة الجامعة ووزارة التعليم العالي ضرورة ملحة، ليس فقط لإنصاف الطلبة وتسليمهم شواهدهم المستحقة، بل أيضاً لفتح تحقيق نزيه يحدد المسؤوليات ويضع حداً لمثل هذه الاختلالات. فإصلاح الجامعة يبدأ من احترام الطالب، باعتباره محور العملية التعليمية وسبب وجود المؤسسة من الأساس.
إن الاستهتار بمصير الطلبة هو استهتار بمستقبل الوطن. ولا سبيل للنهوض بالجامعة المغربية إلا بترسيخ قيم الشفافية، وضمان حقوق الطلبة كاملة غير منقوصة، حتى تعود المؤسسة إلى رسالتها الأصلية: إنتاج المعرفة، وصون كرامة الطالب، وتكريس العدالة الأكاديمية.