ثقافة و فن

يجلي النظر..روعة شعر سيد عبدالعزيز وابداعه

سيد عبد العزيز هو شاعر سوداني، يعتبر من شعراء الجيل الثاني لأغاني الحقيبة، تغنى بأغانيه عدد من مشاهير الغناء السوداني.

   هذه القصيدة التي تحتفي بالجمال وتمجده، لا يحد من جبروتها أي سلطان، لأنها اتخذت من الحب اطاراً لموضوعها، ولأننا نجد فيها عاطفة مفرطة، اتسمت بالحرارة والصدق، فهذه القصيدة الباذخة، التي ابتدعها شاعرها الفحل، “سيد عبدالعزيز”، في مستهل أربعينيات القرن المنصرم على الأرجح، والتي تمزج بين التصوير والموسيقى، هي في الحق لوحة شعرية بارعة، نود الكشف عن سماتها الذاتية،  لوحة تناغمت جماليات أبياتها، عبر صورها الرمزية التي تحمل أبعاداً معنوية وحسية،” فأبوالسيد” بسبب الحاحه وحبه الجارف لمحبوبته، قد اصطنع هذه الوسائل قديمها وحديثها، حتى لا تخرج قصيدته محدودة التأثير، يمر بها الناس دون التفات.

وقصيدة أمير الشعر الغنائي في السودان، هذا اللقب الذي خلعه عليه الشاعر، والملحن، ومقدم البرامج الإذاعية والتلفزيونية، التي أكدت أمجاد الفن السوداني وعراقته، الأستاذ السر أحمد قدور، رحمه الله، قد نجحت في اسباغ كل الصفات الشكلية لمحبوبته التي كرّس” أبوالسيد” موهبته الشعرية في بيان شتى تفاصيلها ، حتى يكون الانطباع النهائي عنها موحداً،” فسيد” الذي أخرج لنا شعراً أصيلاً، لم يقتصر على التقليد والمحاكاة، أدرك المعاني التي جسدت لنا مشاعره وأفكاره، وبرهنت أن الأحاسيس التي تخامره تجاه تلك الفتاة، قد تزايدت إلى حد لم يسبق له مثيل، فرائعة “سيد عبد العزيز”، لا تستدعي استحضار جملة من المعارف والأدوات النقدية، حتى نستدل على أنها تجربة حقيقية مستمدة من الحياة، تجربة لها حظ من عقل، ونصيب من وجدان، وليس من شك، في أن هذه التجربة، أظهرت طرازاً رفيعاً في الصدق الفني، وينبوعاً متدفقاً من الشاعرية، وجودة في السبك، وسيطرة واضحة على المعاني والأخيلة، وقد مكّنا هذا الكشف من ألا نقصر الحديث عن الجماليات التي حفل بها النص، ولكن نسعى إلى معرفة البعد النفسي والفلسفي لدى الشاعر، من حيث المعيار الفني، ورصد تصاعد نغمة الشروخات الحادثة في ذات الشاعر المرهف الشعور.

 ومن خلال تفحصنا للنص، بانت لنا تلك العاطفة الجياشة، التي كانت تضطرب  في حنايا الشاعر، والتي دفعته إلى أعلى درجات البوح، واعتقد جازماً، أن “سيد عبدالعزيز” حاول أن يخمد هذه العاطفة، وأن يقاومها، فالتماهي مع معاني القصيدة المضمرة، وبتفكيك خلاياها المكونة لها، يتضح جلياً بأن الشاعر كان موقناً بأن هذه الأحاسيس ،سوف تطحنه طحن الرحى، وستضيق عليه الدنيا، وتنزل به النازلات، فالقرائن المنفلتة من زخم التصورات التي تزخر بها قصيدته، تؤكد لنا أن” أبوالسيد” رحمه الله، استقطب تلك الاشارات التي تدلل على حالة الحصار النفسي، التي كان يود أن يسلك سبيلاً غير سبيلها، ويتبع دليلاً غير دليلها، فلا غرابة أن يصور لنا سخطه اللا متناهي على الأيام، التي استمد منها عزماً، أفضى به إلى اللوعة.

دراسة النص:

أجلي النظر يا صاحي

في منظر الانسان

الطرفو نايم وصاحي

صاحي كالنعسان

وفي الضي جبينها النادي والبدر خلان

تجمع كل لطافة ورقة ونفرة الغزلان

ما بينو جسيما اللادن الكسلان

يزري الحرير الناعم والفريع اللان

يحكي لنا الشاعر عن طرفه الذي أوقعه في شراك الهوى، وجعل نفسه مغرمة ملتاعة، أضناها وجد تلك الفتاة، التي تتقلب بين أعين عشاق لا حصر لهم، فمثل هذه المقل الشامخة الواسعة، التي أبدعت يد الخالق في صنعها، بحيث تكون منسجمة، وموظفة، ودالة على قدرته، تلك المقل التي زاد من سحرها الطبيعي القاهر، الوسن المستوطن بين أجزائها، نحن ننكر أن تكون صرعت أمير الشعر الغنائي وحده، فحتماً أن هذا الطرف النائم ومنتبه في ذات الوقت، قد امتثلت له العديد من الأفئدة، وأظهرت له الخضوع والانقياد، والفتاة السودانية التي كانت مختنقة في ضيق الأزقة والبيوت، لا يصدق الشباب في ذلك الوقت، أن تكتحل أعينهم برؤيتها، كانت وما زالت، هي مصدر لواعج النفس وانفعالاتها، ولعل الشيء الذي لا ينازعنا فيه شك، أن جمال هذه الفتاة، وعيناها الدعجاء الحوراء، قد ذوت بدخائل الشباب، ولم تدري هذه الفئة كيف تتقيها أو تصدها، وجبينها الناصع الذي يتجانس مع القمر، قد أحس بقوته وانتشاره وسطوته، أبدع” أبوالسيد” الذي يصارع جنونه وعقله، في التقاط هذا الجبين اللامع المشرق، وتقديمه لنا في هيئة تصويرية حسنة، بلغت مبلغها من القوة والذيوع، رغم اقرارنا بأن “سيد عبدالعزيز” قد تأثر هنا بنماذج عربية قد سبقته في ذلك، فتشبيه الجبين بالبدر شائع ومألوف في الأدب العربي، ووجه الشبه بين جبين عشيقته والبدر هو اللمعان، ونفس الشيء ينطلي على تشبيهه لتزايل محبوبته ونفورها بازورار الغزلان، وانصرافها عن البشر والوحوش، والرقة ذلك الثوب الذي اكتست به تلك الحسناء، وجسمها الأملد الكسلان، تحددت مواضيع النظر فيه، وأدرك النقاد مضامينه، ولكن نحن نقبل هذه التشبيهات المطروقة على علاتها، ولا نرى فيها بأساً ولا غضاضة، لأن شعراء العصور الغابرة، انطبعت بصماتهم الفنية في شعر سيد عبدالعزيز، وخاصة فيما يتعلق بأوصاف الحسان.

وداعجة ومكحلة خلقة عظما الرحمن

بي الجمال جمال الخلقة إتوشحا الإيمان

هي في الجمال زي يوسف والوهيبة كمان

تمتاز بديسا طال وبي لهيج رمان

وواضح جداً أن وجه التقليد غالب

 على شعر أبوالسيد، فما زلنا نجاري روح الأسلوب القديم، في وصف العيون الدعج، بأنها مكحلات خلقة، فلا تستدعي منها، أن ترهق نفسها بأن تضبطها بالأثمد، أو أي أداة لتزيين العيون، والشاعر أراد أن يصور لنا المنح والعطايا، التي وهبها الخالق لتلك الفتاة، التي صدق في حبها، فقد اصطفاها الله بنعمة الجمال، التي كبلتها فجعلتها لا تخرج من خدرها إلا لضرورة، وإن خرجت فأنت لا ترى إلا ضرباً من العتمة الدامسة، فالإيمان تجلى في سربالها ووشاحها، ومن ضمن الرفد والنوال الذي خصاها الله بها، أن جعل جمالها وتقاطيعها على شاكلة سيدنا يوسف عليه السلام، ذلك النبي الذي لا يمكن أن يضاهى في الجمال، كما أنعم عليها بالشعر الطويل الناعم، الذي يصل أو يتجاوز أردافها، واللهيج في اللغة هي الأماكن المرتفعة، والشاعر قصد هنا “نهد” محبوبته الشامخ كالطود الأشم

أنا قلبي طار من صدري يا حبيبي

عشان

شوفتا حور الجنة داخل الحيشان

شوفتا العيون بتقهقر ضابط النيشان

شوفتا الجمال الوافر بي عظيم الشان

ولعل المتتبع لسمت الشعر الحديث، يلاحظ أن خصائص   الموروث الثقافي بينة واضحة فيه، فقد استلهمها شاعرنا “أبوالسيد” في قصيدته المونقة، التي ظل السودانيون يرددون أبياتها لأكثر من ثمانية عقود، بعد أن لحنها الفنان  العبقري كرومة، وغناها من بعده الفلتة، الذي نعد صوته مظهراً من مظاهر عدة، لتجليات الكمال والأداء الصوتي الرفيع، الراحل عبدالعزيز محمد داؤود، الذي أداها بأسلوب سهل سائغ، لا خلل في تضاعيفها ولا شقوق، وسيد الشاعر المتمكن من ناصية التراث، نزعم أن شعره رغم جدته وطرافته، ما زال مقتصراً على لباب ما قرأه من أشعار الغابرين، فهو شديد التأثر بهم في الصور والأخيلة والايقاعات، ويمكن تلمس وجوه التداخل في جميع أبيات هذه القصيدة، فنحن هنا لسنا في حاجة لاستنباط شيء كان معضلاً،أو جمعه إن كان مبعثراً، أو شرحه إن كان غامضاً، فجل التراكيب المجازية المتواترة موجودة في هذه القصيدة، التي خفق قلب شاعرها بشدة، حينما رأى فتيات حسناوات داخل خدورهن، هؤلاء الفتيات يشبهن الحور العين في الوضاءة والجمال، وليس هناك تهويل تم تضخيمه، فعيون الناس  التي قد انقضت على أسراب الحسان، دفعهن ازاء كرّ النظرات المتعاقبة أن تنحسر نظراتهن وتتداعى، كناية عن الحياء والخجل، وبعد حديث الشاعر عن ما يميز الحسان، ويحفظ عليهن أصالتهن، انبرى يحدثنا عن المعاني والاشارات التي تدلل على فيض النعم، التي تستوجب من محبوبته أن تقضي دهرها كله راكعة ساجدة.

ومني السلام ما غنا شادن أو رطان

ومني السلام ما دنا بفارق الاقطان

يخضب بنانك حنة والوريد قيطان

والأيد رضاك يا ملكة نجلة السلطان

وقصيدة أبوالسيد الرومانسية الطابع، والتي تشي أبياتها بسعة إلمام شاعرها بمفردات اللغة العربية، التزم فيها سيد بالشكل العمودي، وهي الذائقة التي كانت سائدة في عصره، فالشكل العمودي وموسيقاه، كانت متسقة مع المضامين المطروحة في تلك الحقبة، وسيد الذي استرعتنا أصداء تجربته الغرامية، يودع في خاتمة قصيدته الزاهية محبوبته، بعد أن أدرك أن طريقه محفوفاً بالمكاره، وأن معشوقته لا سبيل إلى الوصول إليها، متمنياً في نهاية المطاف أن تخضب أصابعها الملداء بالحنة، وهنا يظهر أن الشاعر موزع النفس بين الاعجاب بها، والحدب عليها، وساطع جداً وجلي، أن عاطفة الشاعر، لم تدفعه لأن يستبد بمعشوقته ويملكها، وقد تكون الفتاة نفسها لم تسمح بتضييق الحدود بينهما، لأجل كل هذا تمنى لها من صميم فؤاده، أن يضرب حواليها نطاقاً سحرياً من السعادة والجذل، وأن تتزوج ويحالفها التوفيق في جميع مسارات حياتها.

نستطيع أن نؤكد ملامح تميز أشعار” سيد”، وتطورها الابداعي، فليست أشعاره مجرد رؤى ومضامين مكررة لا جديد فيها، هذه مقولة غير دقيقة، “فشعر سيد عبدالعزيز” قد واكب المستجدات التي طرأت في عهده، على اختلاف أجناسها، كما أن أشعاره المتوهجة بالصدق و الابداع، نابعة من نفسيته الجياشة،  التي تقرض الشعر دون تكلف أو جنوح، لأجل ذلك اجتاحت قصائده الأمة السودانية التي احتفت بها لأنها عفوية مضمخة بعبق المكان وجمالياته.

د.الطيب النقر

الأربعاء 13/8/2025

كلمات اغنية يجلي النظر كاملة:

اجلي النظر

اجلي النظر يا صاحي

في منظر الانسان الطرفو نايم وصاحي

صاحي كالنعسان

وفي الضي جبينا النادي والبدر خلان

تجمع كل لطافة ورقة ونفرة الغزلان

مابينوجسيما اللادن الكسلان

يزري الحرير الناعم والفريع اللان

وداعجة ومكحلة خلقة عظما الرحمن

بي الجمال جمال الخلقة إتوشحا الإيمان

هي في الجمال زي يوسف والوهيبة كمان

تمتاز بديسا طال وبي لهيج رمان

أنا قلبي طار من صدري يا حبيبي عشان

شوفتا حور الجنة داخل الحيشان

شوفتا العيون بتقهقر ضابط النيشان

شوفتا الجمال الوافر بي عظيم الشان

ومني السلام ما غنا شادن أو رطان

ومني السلام ما دنا بفارق الاقطان

يخضب بنانك حنة والوريد قيطان

والأيد رضاك يا ملكة نجلة السلطان

نبذة مختصرة عن الشاعر سيد عبدالعزيز:

  الشاعر سيد عبدالعزيز 1905/1976 

ولد بحي العرب بأمدرمان وهو صاحب مدرسة متميزة فى الشعر الجزل الرقيق فقد قال الشعر صبياً وأكمل تعليمه الأولى ثم عمل مع الأعراب فى البيع والشراء بزريبة البهائم ، ثم هجر الزريبة وسوق العرب وتعلم صنعة الحديد حتى أًصبح ميكانيكاً ماهراً وكان يستقبل دراجته ليتعلم اللغة الانجليزية فى المساء مما أهله ليشق طريقه فى مصلحة النقل الميكانيكي بنجاح وأقتدار.

وكان يغشى مجالس العلم واللغة العربية فى حلقات المعهد العلمي، وكان كثير الإطلاع وحاد الذكاء فجاء شعره لوحات بارعة في الإتقان اللفظي والمعنوي وله العديد من القصائد التي تركت اثراً في قلوب الشعب السوداني مثل (بت ملوك النيل – وقائد الاسطول – بإسم الحب اقدم لك حياتي – ومليح الزي ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى