ثقافة و فن

قراءتي لحنّا مينه وصنع الله إبراهيم: من بين أعظم رفاقي في الزنزانة خلال الإعتقالين

 الأستاذ مصطفى المنوزي
ليست الرواية العربية مجرد حكاية أو خيال، بل هي في كثير من الأحيان مرآة للزمن ومختبر للحرية. ومن بين أبرز من أعطوا للرواية هذا البعد الكاشف والملتزم، يبرز اسمان كبيران: حنّا مينه السوري وصنع الله إبراهيم المصري. كلاهما ينتمي إلى اليسار الماركسي، وكلاهما حمل الرواية إلى جبهة المواجهة مع القهر الاجتماعي والسياسي، وإن كان كل واحد منهما قد اختار أسلوبًا مختلفًا: مينه عبر الملحمة، وإبراهيم عبر الوثيقة.
حنّا مينه: البحر كفضاء للملحمة
وُلد عام 1924 في بيئة فقيرة باللاذقية، وعاش حياة صعبة قبل أن يتحول إلى واحد من أعمدة الرواية العربية. جعل من البحر رمزًا للصراع والمصير، ومن الشخصيات الشعبية البسيطة أبطالًا يواجهون القدر والاستغلال. رواياته مثل المصابيح الزرق والشراع والعاصفة والياطر تحمل نفسًا ملحميًا يزرع الأمل، ويحوّل المقهور إلى بطل جماعي.
صنع الله إبراهيم: الرواية كوثيقة للفضح
وُلد عام 1937 بالقاهرة، وانخرط مبكرًا في الحركة اليسارية المصرية. اعتُقل لسنوات طويلة، وتجربة السجن هذه ستشكّل أساس كتاباته. لغته متقشفة، صادمة، توظّف الوثيقة والتقرير والصحافة لتعرية السلطة وكشف فسادها. في رواياته مثل تلك الرائحة واللجنة وذات وشرف، يواجه القارئ بواقعية بلا رتوش، تجعل النص أقرب إلى محضر احتجاج ضد الاستبداد.
شهادتي: حين قرأت لهما في السجن
حين أستعيد سنوات السجن، أجد أن قراءتي لهما لم تكن محض ترفٍ ثقافي. لقد كانا رفيقين حقيقيين في العزلة.
مع حنّا مينه، كنت أستعيد عبر شخصياته صمود الإنسان البسيط أمام العاصفة، وأتعلم أن المقاومة تبدأ من الأمل، وأن البطولة ليست حكرًا على النخب بل تنبع من عمق المعاناة.
مع صنع الله إبراهيم، وجدت مرآة تكشف لي وجوه السلطة، عبث البيروقراطية، وتواطؤ الصمت. كتاباته كانت شهادة مفتوحة على ما عشته، وصوتًا يذكّرني أن مقاومة الظلم لا تكتمل إلا بمساءلته وفضحه.
بين جناح الملحمة عند مينه وجناح الوثيقة عند صنع الله، تبلورت تجربتي القرائية والإنسانية. لقد منحاني هوية فكرية وانتماء نضاليًا، يجمع بين الحلم الثوري والوعي النقدي. ومن داخل جدران السجن، أدركت أن الأدب ليس مجرد كلمات، بل هو فعل مقاومة، ونافذة
ملحق تقاسمي
حنّا مينه وصنع الله إبراهيم: بين الملحمة والوثيقة
إذا كان حنّا مينه (1924-2018) قد ارتبط اسمه بالبحر والملحمة النضالية، فإن صنع الله إبراهيم (مواليد 1937) ارتبط اسمه بالوثيقة والتعرية النقدية للسلطة. ومع ذلك، فالاثنان يجتمعان في كونهما كاتبين ماركسيين، مسكونين بهاجس التغيير الاجتماعي والسياسي، لكن عبر بوابتين مختلفتين: الأولى بوابة المخيال البطولي الملحمي، والثانية بوابة التفكيك التوثيقي النقدي.
حنّا مينه: ملحمة البحر والطبقة الكادحة
أعطى للأدب العربي صورة جديدة للبطل الشعبي، الذي يواجه القدر والفقر والظلم، مستلهمًا من بيئة الساحل السوري وذاكرة الفقراء والعمّال. لغته مشحونة بالعاطفة والانفعال، تحمل نفسًا روائيًا ملحميًا يزرع الأمل.
من أبرز إصداراته:
المصابيح الزرق (1954)
الشراع والعاصفة (1966)
الياطر (1975)
حكاية بحّار (1981)
الدقل (1991)
صنع الله إبراهيم: الرواية كأرشيف للفضح
كاتب مسكون بالهاجس التوثيقي، يوظف الجرائد والمذكرات والمحاضر، ليبني نصًا متقشفًا يعرّي الاستبداد والفساد. لا يقدّم بطولة رومانسية، بل يرسم واقعية فجّة تقطع مع التجميل.
من أبرز إصداراته:
تلك الرائحة (1966)
اللجنة (1981)
ذات (1992)
شرف (1997)
العمامة والقبعة (2008)
بين التقاطع والتكامل
يتقاطعان في الانتماء لليسار الماركسي، وفي انحياز الأدب للفقراء والمهمشين.
يتكاملان في الأسلوب: مينه يمنح الرواية نفسًا ملحميًا بطوليًا، بينما يمنحها صنع الله بعدًا توثيقيًا نقديًا.
معًا يشكلان ثنائية: الحلم الثوري عند مينه، والمساءلة النقدية عند صنع الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى