البوابة أصعب من القبة، الحارس يتدرج والبرلماني يتسلق!!

حميد قاسمي-تنوير
أثار القرار الأخير القاضي بفرض شرط التوفر على شهادة البكالوريا أو ما يعادلها لولوج مهنة الحراسة الخاصة داخل المؤسسات الصحية موجة استياء عارمة في صفوف النقابات المهنية، وفي مقدمتها النقابة الوطنية لأعوان الحراسة الخاصة والنظافة والطبخ، المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل. فقد عبّرت النقابة عن رفضها المطلق لهذا الإجراء الذي رأت فيه إقصاء ممنهجا لفئة واسعة من الأعوان القدماء الذين أفنوا سنوات من أعمارهم في خدمة المؤسسات الصحية وضمان أمنها الداخلي.
وفي مراسلة رسمية إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، نبّهت النقابة إلى أن ما ورد في دفتر التحملات المرتبط بالصفقة العمومية رقم 10/2025/DRSPSFM يستبعد تلقائيا مئات الحراس الذين راكموا خبرة طويلة وتجربة عملية متينة في مجال تأمين المرافق الصحية. وأكدت النقابة أن التجربة الميدانية والتكوين المستمر هما الركيزة الأسسية لممارسة هذه المهنة بكفاءة ونجاعة، معتبرة أن الشرط الجديد يضرب مبدأ تكافؤ الفرص في الصميم، ويهدد استقرار أسر كثيرة تعتمد في عيشها على هذه الوظائف.
وقد دعت النقابة الوزير الوصي إلى مراجعة هذا الشرط الذي وصفته بالمجحف، وتعويضه بمعايير موضوعية أكثر إنصافا تراعي الخبرة المهنية والقدرة العملية، مع فتح حوار تشاركي مع النقابات الأكثر تمثيلية قبل صياغة دفاتر تحملات تمس بشكل مباشر حقوق الشغيلة.
لكن ما يثير الانتباه في هذا الجدل، هو حجم المفارقة بين ما يُشترط على مواطن يريد أن يعمل في وظيفة شاقة وذات طبيعة تنفيذية كالحراسة، وبين ما يُشترط على آخر يسعى إلى دخول المعترك السياسي عبر الانتخابات الجماعية أو البرلمانية. فبينما يُطلب من الحارس شهادة البكالوريا على الأقل، نجد أن أبواب المؤسسات المنتخبة مفتوحة في وجه من لا يتجاوز مستواه الدراسي التعليم الابتدائي أو الإعدادي إذا اقتدى الأمر، بل إن تجد بعض من ممثلي الأمة لا يتوفرون سوى على هذا الحد الأدنى.
فهل من المنطقي أن يُلزم الحارس بشهادة عليا نسبيا لتأمين بوابة مستشفى، في حين يمكن لمرشح بمستوى ابتدائي أو مستوى إعدادي أن يسن قوانين تحت قبة البرلمان تحدد مصير أمة بأكملها؟ وهل العدالة الاجتماعية تُختزل في إقصاء من لم يحصل على شهادة البكالوريا، رغم تراكم خبرته العملية، بينما يُسمح لمحدودي التعليم بالولوج إلى مواقع القرار السياسي؟
إن هذا القرار يفتح الباب أمام نقاش أوسع حول فلسفة اشتراط المؤهلات الدراسية في المغرب: هل يجب أن تكون الشهادة الدراسية هي المعيار الأوحد في التوظيف، أم أن الخبرة العملية والجدارة المهنية تستحق الاعتبار؟ وهل من العدل أن تُشدد الشروط على الفئات البسيطة التي تقتات من قوت يومها، بينما تُسهل على من يتسلم مسؤوليات كبرى تمس حاضر الوطن ومستقبله؟
إنها أسئلة عميقة تفرض نفسها بقوة على الرأي العام، وتستدعي وقفة صريحة لمراجعة معايير الكفاءة وتكافؤ الفرص في مجمل الحياة المهنية والسياسية. فالقضية لم تعد مرتبطة بمهنة الحراسة وحدها، بل صارت تعبيرا عن خلل أوسع في منظومة العدالة الاجتماعية وتوزيع الفرص في المغرب.