افتتاحية

زلة لسان لا تُشوِّه مسار سناء رحيمي -عزيز الحنبلي

عزيز الحنبلي

في خضم الإيقاع السريع للعمل الصحافي وضغط البث المباشر وتزاحم المعلومات، قد يقع الإعلامي، أيًّا كان حرصه وتجربته، في ما يُعرف بزلة اللسان؛ وهي هفوة لفظية عابرة لا تعبّر عن قصد ولا عن توجّه مهني أو قيمي. ما حصل لزميلتنا سناء رحيمي يندرج تمامًا ضمن هذا الإطار: عبارة خرجت على نحو غير موفّق في لحظة تركيزٍ مثقَل بالإشارات التقنية وتعاقب المداخلات وتشنّج الزمن الهوائي، ثم جرى تصويبها وتوضيح سياقها دون تردّد هذا الهجوم  على صحافية محترفة لإلهاء الشعب عن قضاياه الحقيقية .

إن الإنصاف المهني يقتضي التمييز بين الخطأ غير المقصود والسلوك الممنهج. المسار المهني لسناء رحيمي يشهد على التزامها بأخلاقيات المهنة واحترامها للجمهور، وما وقع لا يعدو أن يكون عثرةً لغويةً يمكن أن تعتري أي مشتغل أمام الكاميرا أو الميكروفون. وقد بادرت الزميلة إلى توضيح المقصود والاعتذار الضمني عبر التصويب، وهو سلوك مسؤول ينسجم مع تقاليد المهنة ومع حق الجمهور في خطاب دقيق وواضح.

لقد أظهرت ردود الفعل على المنصّات الرقمية تباينًا مفهومًا بين من طالب بالتشدّد ومن دعا إلى التروّي. غير أنّ المعيار الأعدل يتمثل في اعتماد ميزانٍ مزدوج: الاعتراف بالهفوة من جهة، وحفظ الاعتبار من جهة أخرى. فالمحاسبة في العمل الإعلامي لا تُبنى على زلّة عارضة، بل على نمطٍ تواصلي ثابت ونياتٍ متكرّرة، وهو ما لا ينطبق البتة على هذه الواقعة.

وتحمّل هذه الحادثة دروسًا عملية للجميع. للإعلاميين: التحوّط اللفظي واجب، والتصويب السريع فضيلة، والاعتذار لا ينتقص من المصداقية بل يعزّزها. للمؤسسات: من المفيد تحديث دلائل التحرير وتكثيف تدريبات إدارة الأزمات اللفظية في البث المباشر، مع آليات مراجعة فورية للمحتوى وتمكين الفرق من مساندات تقنية تخفّف الضغط. وللجمهور: النقد حقٌّ أصيل، لكنه يكون أبلغ أثرًا حين يقترن بالإنصاف ويبتعد عن التنمّر والتشهير، ويضع الواقعة في حجمها الطبيعي دون تضخيم أو أحكام قاطعة.

إن حماية المعيار لا تعني القسوة، كما أنّ التعاطف لا يعني التسيّب. ما وقع لزميلتنا سناء رحيمي زلة لسان غير متعمّدة تمّت معالجتها بمسؤولية وشفافية، وينبغي أن تُطوى صفحتها مع التأكيد على التزامٍ مضاعف بالدقة والوضوح. إن مهنتنا تعتمد على الثقة، وهذه الثقة تتقوّى كلما اعترفنا بأخطائنا الصغيرة وتعلّمنا منها، وكلما حافظنا معًا—مهنيين وجمهورًا—على مساحة إنسانية تتيح التصحيح دون وصم، وتُغَلِّب قيمة الحقيقة على ضجيج اللحظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى