وجهة نظر

19 غشت 1953: هذا ما يحكيه “القرصان الاقتصادي” عن الربيع الفارسي منذ 72 سنة-إدريس عدار

    ليس الربيع جديدا غير أن آكلي الحشائش تغيروا. 19 غشت 1953 يسجل محطة من محطات الربيع، الذي كان عنوانه فارسيا. وكان الفاعل أمريكيا لكن تحت عنوان “الحراك الشعبي”.
القرصان الاقتصادي جون بيركنز يحكي قصة الربيع الفارسي الذي أطاح برئيس الوزراء محمد مصدق، الذي كان ذنبه الوحيد تأميم النفط الإيراني.
في كتابه الاغتيال الاقتصادي للأمم، مذكرات قرصان اقتصادي يحكي جون بيركنز كيف أصبح في هذه المهمة بعدما دخل كعنصر في المخابرات الأمريكية معتبرا أن صفة “القرصان الاقتصادي” رتبة في المخابرات مثل الرتب العسكرية.
المهم في حكايته أن مدربته التي استضافته في بيتها شرحت له كيف يمكن التأثير على دول في العالم دون طلقة واحدة، ولكن عبر هذه الطريقة التي ستسمى فيما بعد الربيع من براغ وصولا إلى الربيع العربي.
يقول جون بيركنز بعد أن وصف جلسته مع مدربته “شرحت كلودين كيف نرى من خلال التاريخ، أن الامبرطوريات كانت تبنى على القوة العسكرية، أو على التهديد بها، ولكن في نهاية الحرب العالمية الثانية، وظهور الاتحاد السوفياتي وشبح المحرقة الذرية، أصبحت الحلول العسكرية تنذر بخطر فادح”.
فما الطريقة إذن؟ تضيف كلودين “عندما تمردت إيران على شركة بترول بريطانية كانت تستغل موارد إيران الطبيعية وشعبها. وكانت تلك الشركة أهم شركات مؤسسة برتش بتروليم وردا على الاستغلال، أعلن رئيس الوزراء الإيراني المحبوب جماهيريا، والمنتخب ديمقراطيا، محمد مصدق، تأميم البترول الإيراني، وجن جنون بريطانيا، ولجأت للولايات المتحدة حليفتها في الحرب العالمية الثانية لمساعدتها، لكن الدولتين تخوفتا من اللجوء للحل العسكري”.
وأشارت كلودين وفق ما ينقل جون بيركنز “بدلا من إرسال البحرية الأمريكية (المارينز) ، على وجه السرعة أرسل عميل المخابرات المركزية الأمريكية كيرميت روزفلت حفيد تيودور روزفلت. وقد أدى دوره بمهارة شديدة، واستطاع أن يكسب الناس بالرشاوى والتهديدات، ثم حرضهم على تنظيم أعمال شغب في الشوارع، والسير في مظاهرات عنيفة، أدت إلى خلق انطباع بأن مصدق ليس رجلا محبوبا، وغير كفء. وفي النهاية سقط مصدق”.
كيف يمكن أن تؤلب الشارع ضد رجل وطني؟
يذكر أن محمد مصدق انتخب رئيسا لوزراء إيران سنة 1951، قامت حكومته بإصلاحات اجتماعية وسياسية واسعة مثل الضمان الاجتماعي وتنظيم الإيجارات واستصلاح الأراضي، لكن النقطة التي أفاضت الكأس هي تأميم صناعة النفط الإيرانية التي كان البريطانيون يسيطرون عليها منذ 1913 من خلال شركة النفط الأنجلو-إيرانية .
هذه الذكرى لا زالت عالقة بأذهان الإيرانيين، ويعتبر يوم 19 غشت يوما لاسترجاع المؤامرة الأمريكية.
يكتب فارامز كوهباييه في “طهران تايمز” تحت عنوان “بعد 72 عامًا من انقلاب 1953، لا تزال المؤامرات الأمريكية ضد إيران مستمرة”، قال “قبل اثنين وسبعين عامًا، في 19 غشت 1953، دبرت الولايات المتحدة وبريطانيا انقلابًا ضد أول حكومة منتخبة ديمقراطيًا في إيران، حكومة رئيس الوزراء محمد مصدق:.
وأضاف: “كان للانقلاب، وما تلاه من دعم أمريكي للنظام العسكري الوحشي بقيادة محمد رضا شاه، الذي فر من البلاد أثناء وقوع الانقلاب، تداعيات خطيرة. فقد لعب الانقلاب دورًا رئيسيًا في تشكيل التصورات الإيرانية عن الولايات المتحدة، الإمبريالية الجديدة التي دخلت في سباق المنافسة مع البريطانيين والروس للسيطرة على موارد إيران الهائلة. كان الدافع الرئيسي للانقلاب هو الرغبة في حماية المصالح النفطية البريطانية في إيران، وتحديدًا بعد أن أمم رئيس الوزراء مصدق شركة النفط الأنجلو-إيرانية”.
وأوضح: “أصبحت حركة تأميم النفط المناهضة للاستعمار قوية جدًا لدرجة يصعب قمعها. استفادت الحركة من ضعف نظام محمد رضا شاه في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ظهرت جماعات سياسية مختلفة، وازدادت حركة النفط قوة تدريجيًا. مع مرور الوقت، انضمت الولايات المتحدة إلى المملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي، في سعيهما للسيطرة على احتياطيات النفط الإيرانية. وفي الوقت نفسه، كان رجل دين بارز يدعى آية الله أبو القاسم كاشاني يقود حركة شعبية قوية خارج البرلمان ضد التدخل الأجنبي في شؤون البلاد، مما أعطى يد العون للحكومة المنتخبة ديمقراطيا برئاسة رئيس الوزراء مصدق. استمرت مؤامرة الانقلاب خمسة أيام من 15 إلى 19 غشت. وتضمنت هذه العملية قيام وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات البريطانية بتدبير سلسلة من الإجراءات، شملت التضليل الإعلامي والحملات العسكرية، لتقويض حكومة مصدق”.
في الواقع، يقول كاتب المقال، كانت عمليات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات البريطانية قد بدأت بالفعل في الأشهر السابقة لتقويض شعبية مصدق وحشد الدعم للشاه. وشمل ذلك حملات دعائية وتنظيم احتجاجات أدت في النهاية إلى انحياز الجيش إلى القوات المسلحة. وافق الرئيس دوايت د. أيزنهاور رسميًا على مؤامرة الانقلاب، حيث لعبت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الدور القيادي في عملية سرية، سُميت “عملية أجاكس”، حيث استُخدم عملاء ممولون من وكالة المخابرات المركزية لإثارة الاضطرابات داخل العاصمة طهران”.
في النهاية أُلقي القبض على مصدق وحوكم وأُدين بالخيانة من قِبَل محكمة الشاه العسكرية. وفي 21 دجنبر 1953، حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، ثم وُضع تحت الإقامة الجبرية مدى الحياة. كما سُجن آخرون من أنصار مصدق، وحُكم على العديد منهم بالإعدام، وتم إعادة استغلال النفط الإيراني من قبل مجموعة من الشركات البريطانية إلى حدود 1979.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى