وجهة نظر

ﻣﺎ هو ﺍﻟﻤﻮﺕ؟ محاولة لحصر الأجوبة الممكنة

ﺍﻟﻤﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﻳﺄﺧﺪ ﻣﻨﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﺤﺐ

بقلم: سفيان الميموني
ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﻦ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ﻫﺎﻣﺎ ﻭﻣﺴﺘﺤﻴﻼ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻫﺎﻡ؛ ﻷﻥ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﺑﺼﻤﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ، بحيث ﺇﻥ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻣﻨﺬﻭﺭﻳﻦ ﻟﻠﻤﻮﺕ ﻷﺻﺒﺢ ﻟﻜﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻣﺬﺍﻕ ﻣﺨﺘﻠﻒ. ﻭﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ ﻫﻮ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ
ﻧﻌﺮﻓﻪ. ﻫﺬﺍ ﻳﺠﺮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﺡ ﺳﺆﺍﻝ: ﻣﺎ ﺍﻟﻤﻮﺕ؟ ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻣﺎ ﻧﺠﻬﻠﻪ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﻓﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻳﻘﻴﻨﻴﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻷﻟﻐﺎﺯ ،ﻓﻬﻲ ﺃﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﻄﺮﻳﻖ ﻻ ﻧﻌﺮﻑ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﺗﺆﺩﻱ.
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ. فهو ﻻ ﻳﻔﻜﺮ إﻻ ﻓﻴﻤﺎ يشقيه ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ. السؤال عن الموت ﺳﺆﺍﻝ ﻣﺰﻋﺞ ﻟﻠﺒﻌﺾ، ﻓﻼ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﺤﻴﻮﺍﻥ
ﻳﺘﺴﺎﺀﻝ ﻋﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ. ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻳﺘﺴﺎﺀﻟﻮﻥ: ﻣﺎ ﺍﻟﻤﻮﺕ؟ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﻟﻌﺒﺖ ﺩﻭﺭﺍ ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺇﻋﻄﺎﺀ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﻟﻠﻤﻮﺕ، إذ اﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻌﺒﺘﻪ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ﺃﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ.
ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ:
– ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﺍﻋﺘﻘﺪﻭﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ “ﻻ ﺷﻲﺀ” ﺃﻱ ﻣﺠﺮﺩ ﻋﺪﻡ؛ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ اﻟﻤﻮﺕ ﻫﻮ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺑﺤﻴﺚ ﺃﻥ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻫﻮ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻭﺍﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.
– ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﺁﺧﺮﻭﻥ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺧﺮﻯ؛ ﻳﻌﻨﻲ اﺳﺘﻤﺮﺍﺭا ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ. ﺍﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻫﻮ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺘﺼﻮﺭﻭﻧﻬﺎ ﺣﻴﺎﺓ ﻃﺎﻫﺮﺓ ﻭﻣﺘﺤﺮﺭﺓ.
ﺇﻥ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻹﺟﺎﺑﺘﻴﻦ ﻣﻌﺎ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺍﺧﺘﻼﻓﻬﻤﺎ ﺇﻻ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻃﺮﻳﻘﺘﺎﻥ ﻟﻨﻔﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﺳﻮﺍﺀ بتفسير ﺍﻟﻌﺪﻡ بأنه ﺍﻟﻼﺷﻲﺀ، وهو تصوﺭ ﻧﺠﺪﻩ ﻋﻨﺪ ﺃﺑﻴﻘﻮﺭ، ﺃﻭ بتفسير ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻴﺎﺓ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺃﻥه
ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻼﻧﺘﻘﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﻧﺠﺪﻩ ﻋﻨﺪ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ.
ﺇﻥ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﻳﻦ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻳﺼﻼﻥ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﻞ ﻭﺳﻂ ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ؛ ﻷﻥ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭين ﺍﻻثنين ﻳﻘﻮﻣﺎﻥ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻭﺍﻟﻼﻳﻘﻴﻦ ﻭﺍﻟﺸﻚ، ﺮﻏﻢ أن ذلك، ﻋﻨﺪ ﻃﺮﺡ ﺳﺆﺍﻝ ﻣﺎ ﺍﻟﻤﻮﺕ؟ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﺒﻞ ﺇﻻ ﻧﻮﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻷﺟﻮﺑﺔ: ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﺠﺮﺩ ﻋﺪﻡ ﻣﻄﻠﻖ. “ﻫﺬﺍ ﻳﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴﻦ ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﻦ”.ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ لا ﻳﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺇﻻ ﺍﻧﺘﻘﺎﻻ ﻭﻋﺒﻮﺭﺍ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﻦ “ﺗﺼﺮﺡ ﺑﻬﺬﺍ ﻛﻞ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺎﺕ ﻭﻛﻞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺎﺕ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ”. ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺒﻘﻰ ﺳﺆﺍﻝ ﻣﺎ ﺍﻟﻤﻮﺕ؟ ﺳﺮﺍ ﻛﺒﻴﺮﺍ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﺍﺕ، ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻫﻮ ﺇﻧﻜﺎﺭﻩ.
ﻫﺬﺍ ﻳﺠﺮﻧﺎ إﻟﻰ ﻃﺮﺡ ﺴﺆﺍﻝ ﺁﺧﺮ ﻭﻫﻮ: ﻣﺎ ﺍﻟﺠﺪﻭﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ
ﻗﻀﻴﺔ ﻻ ﺣﻞ ﻟﻬﺎ؟ ﺇﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻻ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺫﺍﺕ ﺣﻞ ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀ؛ ﻷﻥ ﺍﻻﺷﺘﻐﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﺣﻘﺎ ﻟﻠﺤﻞ لن ﺗﻌﻮﺩ معه ﻫﻨﺎﻙ ﻗﻀﺎﻳﺎ. ﻓﻤﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻘﺎﺑﻠﺔ
ﻟﻠﺤﻞ ﻓﻘﻂ ﻭﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻔﻠﺴﻒ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻭﺗﻤﺜﻼﺗﻨﺎ. ﺍﻟﺘﻔﻠﺴﻒ ﻫﻮ ﺍﻻﻧﺸﻐﺎﻝ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺻﻌﺒﺔ ﺍﻟﺤﻞ. و”ﺣﺴﺐ ﺍﻹﻏﺮﻳﻖ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻣﻨﺬﻭﺭﺓ ﻟﻠﻤﻮﺕ؛ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻌﺮﻑ ﺃﻧﻨﺎ ﺳﻨﻤﻮﺕ، وﻟﻜﻦ ﻻ ﻧﻌﺮﻑ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﺮﻏﻢ أننا ﻻ ﻧﻜﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ
ﺍﻟﻤﻮﺕ”.
ﻫﺬﺍ ﺳﻴﺠﺮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺳﺆﺍﻝ: ﻣﺎ ﺍﻟﻤﻮﺕ؟ ﻟﻦ ﻳﻘﺒﻞ ﺟﻮﺍﺑﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﺃﻭ ﺍﺛﻨﻴﻦ. ﻟﻬﺬﺍ ﺳﻨﺮﻯ ﺑﻌﺾ ﺗﺼﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ.
للفيلسوف ﻣﻮﻧﺘﺎﻧﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﺷﻬﻴﺮﺓ ﻭﻫﻲ “ﺃﻥ ﻧﺘﻔﻠﺴﻒ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺃننا ﻧﺘﻌﻠﻢ كيف ﻧﻤﻮﺕ”. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻷﺻﻞ ﻣﺄﺧﻮﺫﺓ ﻣﻦ ﺷﻴﺸﺮﻭﻥ، ﻭﻫﻮ ﺍﻵﺧﺮ ﻳﻘﺪﻣﻬﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻷﻓﻼﻃﻮﻥ. ﺑﺎﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﻤﻔﻴﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﻟﺔ ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﺘﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ تؤديان إلى معنيبن. ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻷﻭﻝ ﻭﻫﻮ
ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻫﻮ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺠﺴﺪ. ﻓﻲ ﺍﻋﺘﻘﺎﺩﻩ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ من ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ الذي يقول: “ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍلحقيقيونﻦ ﻫﻢ ﻣﻦ ﻣﺎﺗﻮﺍ ﺳﻠﻔﺎ ﻭﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺰﻋﺠﻬﻢ ﻓﻜﺮﺓ
ﺍﻟﻤﻮﺕ.
ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺼﺪ ﻣﻮﻧﺘﺎﻧﻲ ﺑﻤﻮﺟﺒﻪ ﻳﻀﺤﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ “ﺣﺪﺍ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ” ﺃﻭ “ﻧﻘﻄﺔ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ”، ﻭﻟﻴﺲ ﻫﺪﻓﻬﺎ ﻭﻻ ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻌﺪ
ﻟﻬﺎ ﻭﺃﻥ ﻻ ﻧﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺗﺨﺮﺏ ﻓﻴﻪ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻭﺗﻔﺴﺪ ﺳﻌﺎﺩﺗﻨﺎ.
“ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻤﻮﺕ – ﺣﺘﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ – جزﺀ ﻻ ﻳﺘﺠﺰﺃ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ هي ﺍﻷﻫﻢ ﻟﻮﺣﺪﻫﺎ ﻻ ﻏﻴﺮ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﺩأﺐ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺣﺒﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺰﻋﺠﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻭﻟﺌﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ.”
ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﻳﻦ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﺳﻮﺍﺀ ﺗﻌﻠﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺬﻱ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻫﻲ ﺍﻟﺨﻼﺹ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﻠﻮﺩ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ ﺑﺄﻧﻬﺎ
ﻣﺠﺎﺯﻓﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﻌﻨﺎﺀ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ “ﻣﺠﺮﺩ ﻋﺪﻡ”، ﻳﺮﻯ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻧﻬﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﺮﺍﺣﺔ
ﻭﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻠﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻴﺎﺀ.
ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻢ التطرﻕ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻛﻼ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭين ﻣﻤﺘﻌﺎﻥ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺃﻥ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻗﺪ ﺗﻔﻴﺪﻧﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍ. ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ﺑﺄﻥ ﻛﻠﺘﺎ ﺍﻟﺤﺎﻟﺘﻴﻦ ﺗﺪﻓﻌﻨﺎ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﺹ ﻛﻠﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﺗﻀﻴيﻊ ﺃﻱ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
ﺃﻣﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺼﻨﻲ ﺃﻧﺎ ﻓﻤﺎ ﻳﺰﻋﺠﻨﻲ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻟﻴﺲ السؤﺍﻝ عما بكونﺍﻟﻤﻮﺕ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻳﺤﺰﻧﻨﻲ ﻫﻮ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺃﻗﺮﺑﺎﺋﻲ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ. ﺈﻥ ﻣﻮﺗﻬﻢ ﻳﻜﻮﻥ أﺷﺪ ﺣﺰﻧﺎ ﻋﻠﻲ ﻣﻦ ﻣﻮﺗﻲ؛ لأن الأخير لا ﻳﺤﺮﻣﻨﻲ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺫﺍﺗﻲ ﻓﺒﻌﺪ ﻣﻮﺗﻲ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺃﻥ ﺃﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺮﻣﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻛﻴﻔﻤﺎ ﻛﺎﻥ، ﺃﻣﺎ ﻣﻮﺕ ﻏﻴﺮﻧﺎ

ﻓﻬﻮ ﺑﺨﻼﻑ ﻣﻮﺗﻨﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺟﺪ ﻣﺤﺴﻮﺱ ﻭﺟﺪ ﻣﺆﻟﻢ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﻟﻢ ﻳﺘﺒﻘ ﻟﻨﺎ ﺳﻮﻯ ﻣﻮﺍﺟﻬﺘﻪ. ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻌﻮﺭ ﻏﺮﻳﺐ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻋﻨﺪ ﻓﺮﺍﻕ ﺃﺣﺪ ﺍﻷﻗﺮﺑﺎﺀ. ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻫﻮ ﺃﻧﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺮﻯ شخصا ﺃﺻﻴﺐ ﺑﻤﺮﺽ
مستعص، ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻭﻳﺘﺄﻟﻢ ﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺍﻷﻟﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻭﺗﺘﻤﻨﻰ ﻟﻪ ﺍﻟﺸﻔﺎﺀ ﻭﺃﻥ
ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺮﺽ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺍﻧﺘﺸﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ما ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍﻟﺸﻔﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺻﻌﺐ ﺟﺪﺍ.
ﺍﻟﻤﻔﺎﺭﻗﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺔ ﻣﻌﺎﻧﺎﺓ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻭﺍﺳﺘﻌﺼﺎﺀ اﻟﺸﻔﺎﺀ من قبل ﻣﻦ ﻳﺮﺍﻓﻖ ﺍﻟﻤﺮﻳﺾ ﻭﻫﻮ ﻳﺮﺍﻩ ﻳﺘﺄﻟﻢ ﻁﻭﺍﻝ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﺗﺠﻌﻠﻪ
ﻳﺘﻤﻨﻰ ﻟﻪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻟﻜﻲ ﻳﻨﻌﻢ ﺑﺎﻟﺮﺍﺣﺔ ﻭيتخلص ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺎﺓ، وﻳﺮﺗﺎﺡ ﻣﻦ ﺍﻷﻻﻡ بعد ﺃﻥ ﺗﺄﺗﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻭﻳﻔﺎﺭﻕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻳﺸﻌﺮ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺑﺸﻌﻮﺭ ﻏﺮﻳﺐ ﺟﺪﺍ ﻳﺼﻌﺐ ﻭﺻﻔﻪ، شعوﺭ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎﻧﺔ؛ ﺃﻱ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻟﻠﻤﺮﻳﺾ، ﻭﺧﻴﺎﻧﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﺎﻷﺳﺎﺱ. نتمنى ﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻤﻮﺕ
ﻟﻜﻲ ﻳﻨﻌﻢ ﺑﺎﻟﺮﺍﺣﺔ ﻭﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺎﺓ، ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪ ﺣﺪﻭﺙ ﺫﻟﻚ ﻳﺸﻌﺮ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺑﺎﻟﺤﺴﺮﺓ ﺣﻴﺎﻝ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ. ﻫﻨﺎ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻳﺤﺪﺙ ﺗﻀﺎﺭﺏ ﺑﻴﻦ ﺍﻻﺣﺴﺎﺱ ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺣﺔ ﻟﺘﺤﺮﺭ ﺍﻟﻤﺮﻳﺾ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺎﺓ ﻭبين اﻹﺣﺴﺎﺱ بالأﺳﻰ ﺣﻴﺎﻝ ﻓﺮﺍﻗﻪ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ. ﺮﻏﻢ ﻛﻞ ذلك يصعب ﺗﻔﺴﻴﺮ
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻀﺎﺭﺏ، ﺍﻻ ﺃﻥ ﺣﺘﻤﻴﺔ ﺍﻟﺤﺰﻥ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺗﺒﻘﻰ ﺛﺎﺑﺘﺔ.
ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺜﻞ ﻗﺪﻳﻢ ﻗﺪﻣﻪ ﻓﺮﻭﻳﺪ يقول:”ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻌﺪ ﻧﻔﺴﻚ ﻟﻠﺤﺮﺏ”. ﻭﻓﻲ ﺳﻴﺎﻗﻨﺎ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﻭﺟﺐ ﺗﻌﺪﻳﻠﻪ ﻛﺎﻟﺘﺎﻟﻲ: “ﺇﺫﺍ ﻛﻨﺖ ﺗﺮﻏﺐ في ﻛﺴﺐ ﺍﻟﻤﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻌﻠﻴﻚ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺴﺘﻌﺪﺍ ﻟﻘﺒﻮﻝ
ﺍﻟﻤﻮﺕ”.
“ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ – ﻣﻮﺗﻨﺎ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻭﻛﺬﺍ ﻣﻮﺕ ﺃﻗﺎﺭﺑﻨﺎ – هو ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻜﻔﻴﻞ ﺑﺄﻥ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻛﺎﺋﻨﺎﺕ ﺃﺷﺪ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻭﻓﺎﺀ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ”. إﻥ ﺗﻤﺜﻠﻨﺎ ﺍﻟﺨﺎﻃﺊ ﻟﻠﻤﻮﺕ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺆﺛﺮ ﺳﻠﺒﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﺴﻂ لحظة من ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ قيجعلها ﺑﻼ ﻗﻴﻤﺔ. ﻣﻦ ﺍﻟﻼﺯﻡ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﻥ ﻧﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺣﺘﻰ ﻧﺤﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﺸﻜﻞ ﺃﻓﻀﻞ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ﺍلمرجع:
ﺃﻧﺪﺭﻳﻪ ﻛﻮﻧﺖ ﺳﺒﻮﻧﻔﻴﻞ: ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﺗﺮﺟﻤﺔ: ﺣﺴﻦ ﺃﻭﺯﺍﻝ، ﺿﻤﻦ سلسلة ﺗﺄﻣﻼﺕ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ، 2022، ﺹ:49.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى