افتتاحية
أوراش حكومة عزيز اخنوش الغير المكتملة: بين وعود الإصلاح وواقع الانتظار
منذ 12 ساعة
103 2 دقائق

عزيز الحنبلي
لا يختلف اثنان على أن حكومة عزيز اخنو ش رفعت، منذ تعيينها، شعارات جذّابة وبرامج طموحة: محاربة البطالة، إصلاح الصحة والتعليم، وكبح موجة الغلاء التي تنهش القدرة الشرائية. لكن بعد سنوات من الوعود والخطط، تبدو الأوراش الكبرى كبيوتٍ بلا أسقف: قواعد موجودة، وواقع يومي يفضح فجوات التنفيذ.
في المحاور الاجتماعية للبرنامج الحكومي من تعزيز للتنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي لتقليص الفوارق في الدخل ومحاربة الفقر والهشاشة والاقصاء الاجتماعي، دعم حصول الطبقات الفقرية والمتوسطة على سكن لائق وتيسير الولوج للسكن تفعيل إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، تحسين وتعميم الخدمات الصحية مجرد شعارات .
لم يعد السؤال: “كم هي نسبة البطالة؟” بل: “أين هو مسار الإدماج الكريم والمستدام؟”. لا يكفي خلق مناصب موسمية أو برامج تشغيل قصيرة الأجل لتزيين التقارير؛ المطلوب هو سياسة صناعية وخدمية تُولّد سلاسل قيمة محلية، تحفّز الاستثمار الصغير والمتوسط، وتربط التكوين المهني بحاجيات السوق فعلاً لا ادّعاءً. من دون ذلك، ستبقى حركية الشغل بلا نبض، والشباب بين مطرقة الانتظار وسندان الهجرة.
في الصحة،بنية تحتية بلا عدالة صحية، حيث جرى الحديث طويلاً عن تعميم التغطية الصحية، لكنّ المواطن ما زال يصطدم بطوابير الانتظار، ونقص الموارد البشرية، وكلفة الدواء، وضعف خدمات القرب. لن تنفع بنايات جديدة إذا بقيت فارغة من الأطر والتجهيزات، وإذا ظل تمويل المنظومة هشّاً يعتمد على جيب المريض.
ضرورة العمل على خلق عقد اجتماعي للصحة يضمن تمويلاً مستداماً (مزيج تأمين/موازنة/مساهمات تضامنية) مقابل مؤشرات جودة مُعلنة. وتحفيز حقيقي لاستبقاء الأطباء والممرضين في المناطق الهشة: سكن وظيفي، منح، مسارات مهنية واضحة.بالاضافة الى رقمنة المسار العلاجي: ملف صحي موحّد، موعد إلكتروني، وخريطة تفاعلية للعرض الصحي تُحدّث يومياً.
في التعليم ، إصلاحات تتعثر عند باب القسم ، التلميذ لا يحتاج إلى خطابات، بل إلى مُعلّم مكوَّن، ومناهج تُنمّي التفكير النقدي والمهارات الأساسية، ومدرسة عمومية آمنة وجاذبة. الإصلاح حين يبقى تقنيةً تنظيمية بلا روحٍ تربوية، يتحوّل إلى وثائق بلا أثر. الفجوة اليوم بين نوايا ” الريادة” “الجودة” ونتائج التعلّم تُنذر بمزيد من اللامساواة.
ضرورة إعادة الاعتبار للتكوين الأساس والمستمر للمدرّسين وربطه بالتحفيز المهني والمالي.و التركيز على سنوات الطفولة المبكرة، والمهارات الأساسية في القراءة والرياضيات والعلوم دون دور الحكامة المدرسية الشفافة: مجالس مؤسسات فاعلة، تقييم دوري للأداء، ونشر النتائج للعموم.
عن غلاء المعيشة… القدرة الشرائية في غرفة الإنعاش ، “السوق حُرّة” لا تعني “الأسعار سائبة”. ارتفاع الأسعار دون تنافسية حقيقية يلتهم الدخل ويُغذّي الاحتقان. دعمٌ اجتماعي غير دقيق يستنزف المال العام، ومراقبة أسعار متقطّعة، ومنافسة غير متكافئة… كلها وصفة مضمونة لتآكل القدرة الشرائية.
الاجدر هو توجيه الدعم مباشرةً للأسر المستحقة عبر سجلات اجتماعية دقيقة، بدل دعمٍ أفقي يُبدَّد.و تقوية اليقظة السعرية ومكافحة الممارسات الاحتكارية بصرامة وعلنية.وتخفيف العبء الضريبي على السلع الأساسية والدخل الصغير، مقابل توسيع الوعاء على الريع والاحتكار.
عطب في تنفيذ أوراش الحكومة،المشكلة ليست في الاستراتيجيات بل في تحويلها إلى واقع لدينا وفرة في المخططات وندرة في الانضباط للمواعيد، وجرأة محدودة في الاعتراف بالأخطاء وتصحيح المسار. المواطن لا يقرأ “الاستراتيجيات القطاعية”؛ هو يقرأ مؤشراً بسيطاً: هل تحسّن يوميّاً مستوى خدماته ودخله وأمنه الاجتماعي؟
فالشرعية تُصنع من النتائج ،الوعود بلا نتائج تتحوّل إلى عبءٍ سياسي وأخلاقي. الشرعية اليوم تُقاس بمدى قدرة الحكومة على حماية جيب المواطن وصحته وتعليم أبنائه وتوفير عملٍ كريم له. الأوراش مفتوحة، نعم؛ لكنها ستبقى “غير مكتملة” ما لم تُدار بشجاعة في القرارات، ودقة في التنفيذ، وشفافية في الحساب. الكرة في ملعب السلطة التنفيذية: إمّا أن تلتقط نبض الشارع وتحوّل الوعود إلى منجزات قابلة للقياس، وإمّا أن تترك فراغاً يملؤه الإحباط… والإحباط لا يبني أوطاناً.