لماذا التضييق والتحكم في الأئمة والخطباء؟ ومن المستفيد؟ عزيز الدروش

يتصاعد القلق في المغرب بسبب التضييق المستمر على الأئمة والخطباء داخل المساجد، حيث جرى تحويل المنابر من فضاءات للوعظ والتوجيه إلى منصات مؤطرة سياسياً، لا يسمح لها إلا بترديد خطب جاهزة لا تلامس واقع الناس. هذا السلوك لا يهدد فقط حرية التعبير الديني، بل يهدد استقرار الوطن، لأنه يغلق آخر متنفس للشعب ويزيد من حالة الإحتقان القابل للإنفجار في أي لحظة.
أزمة ثقة خانقة
الشعب المغربي لم يعد يثق في جل مؤسسات يُفترض أنها دستورية، لكنه يراها شكلية بلا مضمون وتستنزف أموال دافعي الضرائب و تمنح الامتيازات للفاسدين و الفاشلين. فقدت الأحزاب مصداقيتها بعدما تحولت إلى وكالات إنتخابية مرتبطة بالمصالح الضيقة للزعيم المفدى والشردمة المحيطة به وليذهب الوطن و المواطنون إلى الجحيم، بينما تحولت النقابات إلى أدوات مقايضة، والإعلام إلى آلة تضليل أو تسلية فارغة، وحتى المجتمع المدني أصابه الإختراق.
منابر محاصَرة ومخاطر مفتوحة
حين يُمنع الخطيب والإمام من قول كلمة حق في وجه الفساد والإستبداد والظلم، فإن الساحة تُترك للخطابات الشعبوية أو المتطرفة، غير المؤطرة وغير المضبوطة. إن حجب صوت المنبر المعتدل والمتوازن قد يفتح الباب أمام أصوات أشد خطراً، تدفع الناس إلى اليأس أو التمرد ضد ما تبقى من مؤسسات دستورية لازال المواطن المغربي يثق فيها .
الإصلاح يبدأ من المحاسبة
لا يمكن الحديث عن إستعادة الثقة دون محاكمة زعماء الفساد والاستبداد والظلم الذين نهبوا ثروات الوطن واستغلوا السلطة للإثراء غير المشروع. الإفلات من العقاب هو أصل الداء، ومواجهة هؤلاء أمام القضاء بشفافية وجرأة هي رسالة بأن الدولة جادة في الإصلاح، وليست مجرد واجهة لتدوير نفس النخب الفاسدة والفاشلة.
حلول ضرورية
يجب تحرير المنابر الدينية نسبي عبر منح الأئمة مساحة للحديث عن قضايا الناس الاجتماعية والاقتصادية بروح وطنية صادقة، بعيداً عن التوجيه الميكانيكي الممل وغير المجدي.
كما يتعين محاكمة الفاسدين والمستبدين؛ لأنه بدون عدالة إنتقالية حقيقية ومحاسبة جريئة وشاملة، ستظل الثقة معدومة من طرف الشعب المغربي وكل أحرار هذا الوطن و المستثمرينالوطنيين الحقيقيين.
ولا بد من إصلاح شامل للمؤسسات، وعلى رأسها الأحزاب، النقابات، الإعلام، والمجتمع المدني. يجب أن تُعاد هيكلتها على أسس النزاهة والشفافية والقطع مع الولاءات الضيقة و الزبونية والمحسوبية والريع السياسي لخدمةالزعيم الأبدي داخل هذه المؤسسات.
حان الوقت لإشراك الأئمة والخطباء في ورش الإصلاح و بناء دولة قوية وديمقراطية وعادلة، بدل محاصرتهم. يمكن توظيفهم لنشر قيم المواطنة ومحاربة الفساد والإستبداد الأخلاقي والفكري والإجتماعي.
لابد كذلك من تجديد العقد الإجتماعي عبر حوار وطني صريح يعيد تجسير الهوى بين الدولة بالمجتمع على أساس *حرية كرامةعدالةإجتماعية*،
لا على أساس الخوف والتبعية والإرهاب السياسي والإقتصادي والاجتماعي والنفسي.
الخلاصة
التضييق على أئمة وخطباء الأمة المغربية ليس مجرد إجراء إداري، بل مؤشر على أزمة سياسية وأخلاقية عميقة. إما أن تختار الدولة طريق الإصلاح الجذري، القائم على محاسبة رموز الفساد والظلم، وإستعادة الثقة عبر إنفتاح حقيقي على الشعب، أو تواصل سياسة الهروب إلى الأمام، فتدفع الوطن إلى إنفجار حثمي لا أحد يعرف حدوده و لا وقته.
—
*من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى*