كيف يوفق المغرب بين توفير المياه اللازمة للصناعة والزراعة والتعدين وضمان الأمن المائي لمواطنيه؟

أحمد رباص – تنوير
مقدمة عامة
يُفاقم مزيجٌ من آثار تغير المناخ وإنتاج السلع كثيفة الاستهلاك للمياه، مثل الغذاء والمنسوجات والمعادن، انعدام الأمن المائي العالمي. إذ تأتي نسبة حوالي 50% من المياه المستخدمة في إنتاج السلع المستوردة إلى دول الشمال من دول تعاني من ندرة مائية كبيرة، ومعظمها في دول الجنوب.
مع تفاقم الوضع، تقل الخيارات التشريعية أو التنظيمية التي من شأنها تحسين استدامة المياه في مواقع الإنتاج.
تتمتع الدول المستوردة بموقف قوي يُمكّنها من الإصرار على تحسين معايير المياه نظرا لعدم تكافؤ ديناميات القوة بين البائعين والمشترين. ومع ذلك، فإن تحسين معايير المياه في مواقع الإنتاج يتطلب الثقة والتمويل وبناء القدرات لتمكين المنتجين من الالتزام بالتغييرات في السياسات.
أدت صادرات المغرب من المنسوجات والمعادن والمنتجات الزراعية إلى تفاقم أزمة الماء في البلاد. قد تبدأ سياسات الاتحاد الأوروبي بمعالجة هذا الاستخدام غير المستدام للمياه، ولكن ليس دون مخاطر سياسية.
التحديات الوطنية المرتبطة بالماء
يُعدّ المغرب شريكا تجاريا رئيسيا للعديد من الدول الأوروبية، حيث يُصدّر السلع الزراعية والأسمدة والمنسوجات. ويؤثر تغيّر المناخ بشكل متزايد على موارد المياه في البلاد، مما يؤدي إلى فشل المحاصيل وتدهور المراعي، بالإضافة إلى عواقب مجتمعية مثل انعدام الأمن الغذائي والاقتصادي.
سعى المغرب جاهدا إلى الاعتراف بالحصول على الماء كحق من حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة، وتبنى مقاربة قائمة على حقوق الإنسان في مجال الماء ضمن قوانينه الوطنية. وتتوفر بلادنا على إطار وطني متطور للاستخدام المستدام للماء. كما يعد تدبير ندرة المياه أولوية رئيسية في السياسات وخطط العمل الوطنية. يهدف مشروع المخطط الوطني للماء (2020-2050)، مثلا، إلى استثمار ما يقرب من 40 مليار دولار في هذا القطاع، لتحقيق عدة أهداف على رأسها البحث عن مصادر جديدة للمياه الجوفية وزيادة جهود تحلية المياه. إضافةً إلى ذلك، يُظهر إنشاء وكالة وطنية جديدة للمياه والغابات أهمية معالجة إزالة الغابات والتصحر.
بسبب تغير المناخ، يواجه المغرب زيادة في هطول الأمطار، وفيضانات، وارتفاعا في درجات الحرارة، وجفافا طويل الأمد. كما يهدد تغير المناخ الساحل، حيث تُجرى معظم الأنشطة الاقتصادية، فنسبة 42% من الساحل مهددة بالتعرية والفيضانات. ومن المرجح أن يُقلل تعرض المغرب الشديد لمخاطر المناخ من الموارد المتاحة لمعالجة مشاكل الاستدامة، حيث أن الآثار السلبية الطبيعية – بما فيها تلك الضارة بالتجارة والاقتصاد والتصنيف الائتماني – يمكن أن تؤثر على قدرة الحكومة على اقتراض الأموال.
كما أثار الباحثون خطر ندرة المياه المحتمل الذي قد يؤدي إلى نشوب نزاعات. وهذا يُعزز الحاجة المُلحة للمغرب إلى معالجة البصمة المائية لأنشطته الاقتصادية، والتي ترتبط ارتباطا مباشرا بالتجارة.
قطاع النسيج
ينتج المغرب جزء من أعلى صادرات المنسوجات قيمة في القارة الأفريقية، والعديد من العلامات التجارية الكبرى تأتي من المغرب، مثل: Zara Primark, H&M, Walmart و Tesco. كما تعد الشركات الصغيرة والمتوسطة جهات فاعلة مهمة في قطاع النسيج، وتوفر نسبة كبيرة من فرص الشغل. وترى الحكومة أن هذا القطاع مهم للاستثمار وخلق فرص العمل. ففي عام 2019، وظفت صناعة المنسوجات والملابس حوالي 195000 شخصا. وانخفض هذا العدد بسبب تفشي جائحة كوفيد-19 في عام 2020، مما أثر بشكل غير متناسب على النساء اللائي كن يعملن تقليديا في هذه الصناعة. يعود الجزء الكبير من البصمة المائية للمغرب ذات العلاقة بالمنسوجات إلى التصنيع، وتكون المياه الناتجة عن ذلك ملوثة.
تُظهر الحالة المغربية أيضا كيف يمكن لمزيج من التنظيم الوطني والمساعدة من الأسواق المستوردة أن يُحسّن استخدام المياه الصناعية.
تظل البيانات المتعلقة بمستويات التلوث من صناعة النسيج محدودة. غير أن تقريرا صادرا عن اللجنة الاقتصادية لأوروبا التابعة للأمم المتحدة عام 2014 أشار إلى أن المنسوجات والجلود تُسبب حوالي 42% من التلوث في منطقة طنجة تطوان. في عام 2017، اعتمدت الحكومة معايير لتحسين جودة المياه وفرضت قيودا على تصريف المياه العادمة العائدة إلى الصناعات بما فيها صناعة النسيج. وقد أجبر ذلك الشركات على الحد من التلوث، وفي حالة واحدة على الأقل، أدى ذلك إلى قيام مصنع بتركيب محطة معالجة مياه الصرف الصحي خاصة به. دعمت المفوضية الأوروبية هذه الأخيرة في إطار برنامج الخط الأزرق، وهو برنامج لدعم مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي الناتجة عن الصناعات كثيفة الاستخدام للمياه في المغرب، وحصلت المحطة على تمويل من بنك التنمية التابع للاتحاد الأوروبي. بشكل عام، رفع المغرب نسبة مياه الصرف الصحي المعالجة من 25% عام 2016 إلى 45 % عام 2022.
القطاع الفلاحي
عزز مخطط المغرب الأخضر (2008) الصادرات الزراعية للبلاد ووسّع أنظمة الري بالتنقيط. ومع ذلك، تشير الأبحاث إلى أنه على الرغم من أن الري بالتنقيط حسّن الإنتاجية الزراعية والإيرادات، إلا أنه ربما زاد من حدة الضغط على المياه. ويرجع ذلك إلى تحول المزارعين إلى زراعة منتجات ذات قيمة أعلى (وأكثر استهلاكا للمياه) مثل الطماطم والخيار والأفوكادو. وقد أدت احتياجات الزراعة والطاقة إلى إزالة الغابات، رغم أن بعض الدراسات تشير إلى أن زيادة إزالة الغابات تعود إلى الزراعة المعيشية. كما ارتفع عدد العاملين في القطاع الفلاحي في السنوات الأخيرة، حيث يعمل في قطاعي الصيد والغابات معا 45٪ من عمال القطاع.
ويكتسب القطاع الفلاحي أهمية أكبر في المناطق القروية، حيث تمثل الزراعة حوالي 75٪ من فرص الشغل.
ونتيجة لذلك، يمكن أن يكون للجفاف آثار كبيرة على المحاصيل الزراعية والناتج المحلي الإجمالي. وتواصل الدولة تعزيز القطاع الفلاحي، وتهدف خطة زراعية جديدة للفترة 2020-2030، تسمى الجيل الأخضر، إلى مضاعفة الصادرات بحلول عام 2030. كما حصلت الصادرات عالية القيمة مثل الأفوكادو والبطيخ والحمضيات في البداية على إعانات خاصة بموجب هذه الخطة، ولكن تم إلغاؤها جزئيا بسبب التوترات الناجمة عن ندرة المياه. ومع تزايد الضغط على موارد المياه من قبل المزراعين، تشير بعض الدراسات إلى أن المياه الجوفية في بعض الفرشات المائية الساحلية غير كافية بالفعل للري بسبب النترتة والتملح. أصبحت ندرة المياه بالفعل مشكلة اجتماعية، على سبيل المثال، في عام 2017 كانت هناك ما يسمى بـ “احتجاجات العطش” بسبب نقص المياه المستعملة في الزراعة بالمناطق القروية.
استغلال المعادن
ينتشر تلوث المياه من استخراج ومعالجة المعادن، وخاصة من مناجم الفوسفاط. وإذا كان القانون المغربي المتعلق باستغلال المعادن يتطلب من اللجان الوطنية أو الجهوية مراجعة دراسات الأثر البيئي، وإذا وجدت لوائح بيئية لتدبير النفايات ومياه الصرف الصحي، فلا توجد حتى الآن معايير صارمة مكافئة لجودة المياه وتصريفها لصناعة التعدين كما هو الحال بالنسبة لقطاعات أخرى مثل قطاع النسيج. وقد وجدت الهيئات الدولية العاملة في مجال التعدين أن هناك نقصا في المساءلة. لا توجد، مثلا، عملية ترخيص لاستغلال الفوسفاط، وتشير بعض الأبحاث إلى أن الحماية البيئية والاجتماعية ربما تكون قد ساءت منذ عام 2017. وقد أدى التلوث الناتج عن هذا النوع من الاستغلال إلى بروز شكايات من السكان المحليين الذين تُركوا بدون مياه كافية للاحتياجات اليومية والفلاحية. كما أن المغرب من بين أكثر 10 دول معرضة لمكابدة المعاناة من مخاطر المياه المستعملة في التعدين والتي يمكن أن تؤثر على جودة المياه وتتسبب في ندرتها.
التجارة والمياه الافتراضية
يظل الشريك التجاري الرئيسي للمغرب هو الاتحاد الأوروبي، الذي استقبل 64٪ من صادراته في عام 2019. وتبقى صادرات البلاد إلى بقية العالم أصغر نسبيا (مثلا، 4٪ إلى الهند، و3٪ إلى كل من البرازيل والولايات المتحدة).
لكن بالنسبة إلى المغرب تبقى التجارة موضوعا حساسا من الناحية السياسية بسبب مسألة السلع القادمة من الصحراء الغربية. كانت السيطرة على الصحراء الغربية محل نزاع من عام 1975 إلى عام 1991، عندما تم الاتفاق على وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو. منذ عام 2020، تصاعدت التوترات مرة أخرى. الصحراء المغربية هي موقع للموارد الطبيعية بما في ذلك الفوسفاط، الذي تستخرجه المكتب الشريف للفوسفاط المملوك للدولة المغربية. رفعت جماعات المجتمع المدني في اوربا قضايا قانونية ضد اتفاقيات التجارة بين المغرب والاتحاد الأوروبي والمغرب والمملكة المتحدة، بحجة أن الاتفاقيات أُبرمت دون موافقة الشعب الصحراوي المزعوم، وبالتالي تم اعتبارها أنها تنتهك القانون الدولي. وإذا ألغت المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي اتفاقية التجارة، استأنفت المفوضية الأوروبية هذا الحكم وظلت اتفاقية التجارة سارية المفعول.
التأثيرات السياسية المحتملة
تشمل الصادرات المغربية إلى الاتحاد الأوروبي المنسوجات والأسمدة والمواد الخام. وقد تُفاقم صادرات الطاقة المُخطط لها من المغرب من الهيدروجين الأخضر إلى الاتحاد الأوروبي الضغط على موارد البلاد المائية. كما سلّط تقييم أثر الاستدامة للتجارة بين المغرب والاتحاد الأوروبي لعام 2013 الضوء على الآثار السلبية المُحتملة لتكثيف التجارة على أنظمة المياه المغربية، بما في ذلك “انخفاض موارد المياه، وخصوبة التربة، والتنوع البيولوجي – لا سيما في الاراضي المزروعة الخاضعة لإكراهات قوية.
سياسات الكشف والعناية الواجبة
تؤثر لوائح الاتحاد الأوروبي، مثل توجيه إعداد التقارير عن استدامة الشركات وتوجيه العناية الواجبة بشأن استدامة الشركات المقترح، على البصمة المائية للتجارة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. سيُطلب من الشركات الكشف عن معلومات سلسلة التوريد لتدقيقها من قبل جهة خارجية. وبينما قد تقرر الشركات عدم الكشف عن معلومات حول استخدام المياه، يجب عليها تبرير هذا القرار، ومن المرجح أن تخضع القطاعات كثيفة الاستخدام للمياه مثل التعدين لتدقيق أكثر صرامة. وهذا بدوره قد يحفز الشركات ومورديها على الحد من التلوث والإفراط في الاستخراج. ومع ذلك، لا يُطلب من الشركات الإبلاغ عن التنوع البيولوجي ورفاهية العمال المتعاقدين. وبالمثل، يقدر تقييم أثر الاستدامة للاتحاد الأوروبي أن زيادة التجارة بين المغرب والاتحاد الأوروبي قد تضر بالتنوع البيولوجي. إذا تم إقرار توجيه العناية الواجبة بشأن استدامة الشركات، فقد يوفر آلية إنفاذ لتوجيه إعداد التقارير عن استدامة الشركات ويضمن إلزام الشركات غير الملتزمة بأداء غرامات وتعويض الضحايا عن الأضرار.