في زمنٍ يتغير بسرعةٍ تفوق إدراكنا، يقف العالم على مفترق طرقٍ تكنولوجي غير مسبوق. لقد أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، هدفه المعلن هو المساعدة، ونؤكد على كلمة “المساعدة” لأن ما يحدث على أرض الواقع يتجاوز هذا الهدف البسيط، فيتحوّل أحيانًا إلى بديلٍ عن الإنسان لا مجرد أداةٍ لخدمته.
اليوم نعيش عزوفًا واضحًا عن الحوار الإنساني، حيث يُستبدل النقاش بين البشر بمحادثات مع الآلات والبرامج الذكية. وهنا علينا أن نتوقف لحظةً ونسأل أنفسنا: لماذا حدث هذا التحول؟ أين يكمن الخلل؟
الأسباب متشابكة ومعقدة. أولها انعدام الحوار الأسري داخل البيت، النواة الأولى للمجتمع، حيث شتّتت ضغوط لقمة العيش الأفرادَ وجعلتهم أسرى لانشغالاتهم، حتى فقدوا القدرة على التواصل الحقيقي. ثانيها فقدان الثقة بين الأصدقاء والأقارب نتيجة الخيبات المتكررة، ما جعل الكثيرين ينكفئون على ذواتهم. وثالثها غياب الإحساس بالآخر، فقد أصبحنا أنانيين، نعيش لأنفسنا فقط، نتجاهل احتياجات من حولنا، وكأننا فقدنا القدرة على التعاطف.
هذه العوامل كلها دفعت الناس للبحث عن بديل للحوار والمسامرة وبثّ الأوجاع، فكان الذكاء الاصطناعي خيارًا سهلًا ومتاحًا. لكن الخطر الحقيقي يكمن في أن الاعتماد عليه يتحول تدريجيًا من جزئي إلى كلي، من مجرّد أداة مساعدة إلى بديل كامل عن التفكير والعلاقات الإنسانية.
العالم يتطور بسرعةٍ مذهلة، والقفزات التكنولوجية لا حدود لها، لكن يبقى السؤال الملحّ: إلى أين نحن ذاهبون؟ هل نحو مستقبلٍ يخدم الإنسان، أم نحو عزلة فكرية وعاطفية تُغيّب العقل وتفقدنا إنسانيتنا؟
الذكاء الاصطناعي ليس عدوّنا، لكنه لن يكون صديقنا ما لم نُحسن استخدامه. علينا أن نعيد الاعتبار للحوار الإنساني، وأن نحافظ على عقولنا يقظةً وقيمنا ثابتة، لأن التكنولوجيا مهما بلغت من تطور لا تستطيع أن تمنحنا دفء العلاقات الإنسانية ولا حكمة العقل البشري.
> “التكنولوجيا أداة بيد الإنسان، لكن إذا سلّم الإنسان عقلَه لها، صار هو الأداة في يدها.”