وجهة نظر

بين الرمزية والأمننة: قراءة في خطاب ناصر الزفزافي الأخير

الأستاذ: مصطفى المنوزي
جاءت كلمة ناصر الزفزافي في تأبين والده لحظة استثنائية، ليس فقط لأنها أول ظهور علني له منذ سنوات، بل لأنها حملت في طياتها رسائل هادئة وحكيمة. فقد ركّز الزفزافي على الوحدة الوطنية وابتعد عن لغة الصدام أو الانفعال، مقدّمًا صورة جديدة عن نفسه: ابن بار لوالده، مواطن يضع الوطن فوق الجراح، وصوت يفضل الاعتدال على المزايدة.
في نظري هذا الموقف الرمزي كانت له عدة دلالات:
على مستوى الرأي العام، ساهم في تخفيف الصورة النمطية التي التصقت بالزفزافي كرجل مواجهة راديكالي، وأعاد الاعتبار لخطاب أكثر عقلانية وهدوءًا.
على مستوى السياسيين والحقوقيين، أتاح الفرصة لتجديد الدعوات من أجل انفراج ملف الريف باعتباره قضية اجتماعية وسياسية قبل أن يكون مجرد ملف قضائي.
وعلى مستوى الذاكرة الجماعية الريفية، مثّلت الكلمة تعبيرًا عن رغبة لعقلنة الألم وإعادة التموقع داخل الأفق الوطني الجامع.
لكن يبقى السؤال الأعمق: هل يخفف هذا الخطاب من أمننة ملف الريف؟
الجواب، وفق المعطيات، هو أن كلمة الزفزافي قد ساهمت بالفعل في نزع جزء من المبررات الأمنية التي استُعملت لتبرير استمرار القبضة الصارمة. فقد أظهرت أن الزفزافي لا يحمل نزعة انفصالية، بل يسعى إلى إدماج قضيته في سياق وطني شامل. غير أن القرار النهائي في هذا المسار يظل رهينًا بعوامل أخرى: توازنات الدولة، مواقف الأجهزة الأمنية، الإرادة الملكية، والسياق السياسي العام الذي يتسم بضعف الوسائط الحزبية وتراجع الثقة المجتمعية.
ويبدو أن ما تحقق حتى الآن هو محاولة لتليين الرمزية أكثر من تحول في المقاربة الأمنية. ومع ذلك، يظل لخطاب الزفزافي قيمة خاصة: فهو فتح ثغرة لإعادة التفكير في الملف خارج منطق الأمننة وحده، وإتاحة الفرصة لمسار سياسي-حقوقي قد يعيد إلى الريف ما يستحقه من مصالحة وطنية حقيقية.
فكيف نعبئ أنفسنا لنكون جزء من الحل في أفق البناء الديموقراطي بعيدا عن الهاجس الإنتخابي ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى