ثقافة و فن

في متاهة الإنتاج السينمائي فيلم ” صوت هند رجب” نموذجا نورالدين بوخصيبي

    تمكن فيلم ” صوت هند رجب” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية كما هو معلوم من انتزاع اعتراف و إعجاب كبيرين خلال الدورة الأخيرة من مهرجان البندقية الدولي، ترجم ذلك من خلال التصفيق الحار للجمهور الحاضر عقب عرض الفيلم بالمهرجان، (24 دقيقة) و هي أطول مدة تصفيق في تاريخه، و كذلك حصوله على ست جوائز على رأسها جائزة الأسد الفضي التي أهدتها المخرجة التونسية لأطفال غزة المحاصرين التي تعتبر بطلة الفيلم، هند رجب، واحدة من بينهم، راحت ضحية همجية و عنجهية الاحتلال الإسرائيلي حيث استشهدت بدم بارد بينما ظل صوتها يتردد عبر الأثير. هذا فضلا عن المساندة العالمية التي حظي بها الشريط و التي كان لها دور بالغ الأهمية فيما لقيه من صدى طيب خلال نفس التظاهرة السينمائية.

 بخصوص مسألة إنتاج الفيلم، و هي المسألة التي سنقف عندها في هذه الورقة، نسجل بداية تداخل و تشابك عدة فاعلين سينمائيين، من مخرجين و منتجين و ممثلين سينمائيين عالميين، تظافرت جهودهم لإخراج هذا العمل إلى حيز الوجود. و هذه العملية في حد ذاتها ليست بالهينة كما يعتقد البعض، لأنها بحاجة إلى مهارات خاصة، أو إذا شئنا إلى خطة عمل متكاملة و إلى تفكير و ذكاء لدفع فاعلين من عيار ثقيل إلى تبني فكرة الشريط، و مؤازرته و دعمه إما ماديا أو معنويا.

نذكر بداية أن الشريط  تولى إنتاجهالمنتج الفرنسي – التونسي نديم شيخروحه. و هو منتج أفلام من مواليد تونس سنة 1975 . تَكَوَّن في فرنسا. عمل في كبريات شركات الإنتاج الفرنسية قبل أن يؤسس شركة Tanit Filmsسنة 2014. تميزت مسيرته بسلسلة من الأفلام اللافتة التي شاركت في مهرجانات دولية وحازت على عدة جوائز وترشيحات. وقد شغل مناصب متعددة كمنتج، ومشارك في الإنتاج، ومنتج منفذ، بل وظهر أيضًا في دور تمثيلي.

و شركة تانيت فيلم هي شركة إنتاج فرنسية أسسها نديم شيخ روحه بتاريخ 1 أبريل سنة 2014 .   تعمل بصفة خاصة في مجال إنتاج الأعمال السينمائية.   ارتبط اسمها بشكل وثيق بالمخرجة التونسية كوثر بن هنية حيث قامت بإنتاج العديد من أفلامها المميزة  التي حظيت بتقدير عالمي مثل فيلم ” الرجل الذي باع ظهره” سنة  2020 و فيلم ” بنات ألفة ” سنة 2023  الذي رشح لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم وثائقي. و تحمل الشركة اسم تانيت تيمنا بالإلهة الفينيقية تانيت التي كانت تعبد في قرطاج القديمة  بتونس. و لهذه التسمية دلالتها الرمزية الواضحة.

     كما أسس نديم شيخ روحة في تونس سنة 2022 شركة إنتاج أخرى تحمل اسم Mime Films. وهاتان الشركتان تانيت فيلم و ميم فيلم هما الشركتان الأساسيتان المنتجتان لفيلم ” صوت هند رجب”.

   لكن الأمرلم يقف الأمر عند هذا الحد بخصوص الشريط الذي نحن بصدده. إنما تجاوز ذلك لتساهم  في إنتاجه كذلك شركات عالمية أخرى تحضر في إنتاج الفيلم كشركات تنفيذية هي:

  • شركة فيلم 4 بروديكشنز Film4 productions و هي شركة بريطانية في ملكية شبكة القناة الرابعة البريطانية. تأسست سنة 1982 بهدف تطوير و تمويل الأفلام السينمائية. و تتميز هذه المؤسسة بصفة خاصة بدعم المواهب الجديدة و المبتكرة في صناعة الأفلام البريطانية و الدولية. و كذلك دعم الإنتاج السينمائي المستقل. ساهمت في إنتاج العديد من الشرطة السينمائية الناجحة التي أحرزت على جوائز كبيرة، مثل جوائز الأوسكار و غيرها، نذكر من بينها أفلام ” 12 سنة من العبودية”، و ” منطقة الاهتمام” و غيرهما.

  • شركة إم بي سي استوديوز التابعة لمجموعة قنوات ” إم بي سي ” العربية. و هذه الشركة هي من أكبر المجموعات الإعلامية في الشرق الأوسط. تأسست بهدف إنتاج محتوى سينمائي و تلفزيوني عالي الجودة بمواصفات عالمية، سواء على مستوى الأفلام السينمائية أو المسلسلات الدرامية.

  • و شركة Plan B المملوكة للممثل الشهير براد بيت.

و تفيد معلومات  أخرى من مصادر مختلفة بأن هناك دعما حصل عليه الشريط من ” صندوق التشجيع على الإنتاج الأدبي و الفني” التابع لوزارة الشؤون الثقافية التونسية، نظرا لجنسية المخرجة كوثر بن هنية. لكننا لا نتوفر بالضبط عن القدر المادي الذي ساهم به الصندوق، كما لا نتوفر على ارقام محددة حول مدى إسهام كل منتج في هذا العمل.

و قد انضم عدد من الممثلين العالميين إلى فريق الإنتاج التنفيذي للفيلم،  يتعلق الأمر بالممثلين الأمريكيين براد بيت و خواكين فينيكس و روني مارا  إضافة إلى المخرجين و المنتجينألفونسو كوارون و جوناثان جلازر.

     و نظرا للدعم القوي الذي قدمه هؤلاء للشريط، و حتى نلقي المزيد من الضوء على هؤلاء الفاعلين السينمائيين الكبار الذين آزروا الفيلم و دعموه، نقف عند كل واحد منهم على حدة في ومضة تعريفية موجزة تعميما للفائدة.

  • براد بيت: هو ممثل و منتج سينمائي أمريكي غني عن التعريف. يعتبر أحد ابرز نجوم هوليود. اشتهر بأدائه المتميز في العديد من الأفلام ذات الشهرة العالمية، نذكر من بينها فيلم ” نادي القتال” و ” سبعة ” و ” 12 قردا” . تمكن من انتزاع جائزة الأوسكار مرتين. سنة 2014 أوسكار أحسن فيلم عن إنتاجه لفيلم ” 12 سنة من العبودية” الذي قام بإخراجه البريطاني ستيف ماكوين سنة 2013.  و توجسنة 2020 بجائزة أفضل ممثل ثاني عن دوره في فيلم ” حدث ذات مرة في هوليود”  و هو من إخراج  كوينتن تارانتينو سنة 2019 . و يملك براد بيت شركة إنتاج تحمل اسم  بلان بي   Plan B هي التي شارك من خلالها في إنتاج الشريط كمنتج منفذ كما سنرى في فقرة أخرى. تأسست هذه الشركة سنة 2002 بمبادرة من براد بيت نفسه إلى جانب المنتجين الأمريكيين جين نويمان و برادلي توماس. و ساهمت في إنتاج مجموعة من الأشرطة الدولية أهمها  ” 12 سنة عبودية ” (2013) و ” سلايد” ( 2014) و مون لايت (ضوء القمر) ( 2016).

  • خواكين فينيكس: هو أيضا ممثل أمريكي يتميز بأدائه لشخصيات ذات طبيعة مركبة و مضطربة سيكولوجيا. فاز سنة 2020 بجائزة الأوسكار كأحسن ممثل عن دوره في فيلم جوكر من إخراج تود فيليبس. يتميز فينيكس من جانب آخر بالتزامه الحقوقي وارتباطه بالقضايا الإنسانية العادلة.

  • روني مارا : هي أيضا ممثلة من جنسية أمريكية، تألقت بصفة خاصة في دورها المتميز في فيلم ” الفتاة ذات وشم التنين” إخراج ديفيد فينشر سنة 2011، و هو الدور الذي ترشحت عنه لجائزة الأوسكار. و هي معروفة بأعمالها الخيرية حيث تشارك في جمعية ” وجوه كيبيرا” التي تساعد سكان الأحياء الفقيرة في كينيا. و هي ترتبط بعلاقة عاطفية مع الممثل خواكين فينيكس.

كما ساهم في إنتاج الفيلم مخرجان مرموقان على المستوى العالمي هما ألفونسو كوارون . و هو من أشهر المخرجين و المنتجين و كتاب السيناريو في دولة المكسيك. من أشهر أفلامه السينمائية نذكر فيلم “جاذبية” ، و هو من أفلام الخيال العلمي أحرز بواسطته على جائزتي الأوسكار لأفضل مخرج و أحسن توضيب سنة 2014 كما أحرز فيما بعد على جائزتي الأوسكار لأحسن مخرج و احسن صورة سينمائية  سنة 2019 عن فيلمه ” روما “.

أما جوناثان جلازر فهو مخرج و كاتب سيناريو بريطاني معروف بأسلوبه الفني الجريء و المغامر. و هو يعتبر من أعمدة سينما الحداثة في بريطانيا بأعماله التي ترمي إلى خلخلة السائد و مساءلة شفرات السينما الكلاسكية. من اهم أعماله نذكر فيلم ” الوحش المثير” و ” تحت الجلد” و ” منطقة الاهتمام” و هو فيلم درامي حاز على جائزة الأوسكار لأحسن فيلم دولي سنة 2024. تتميز سينماه عموما بالتركيز على الجوانب البصرية، و الحكايات المعقدة و الاستخدام المبتكر للصوت ، حيث يخلق غالبا نوعا من التناقض بين الصورة و الصوت لتعزيز التأثير الدرامي لدى المتلقي. إضافة إلى اهتمامه الكبير بالتفاصيل الصغيرة و قدرة كبيرة عنده على خلق أجواء متوترة ، مع مقدرة كبيرة أيضا على الغوص في أعماق الشخصيات لاستكشاف خباياها و أسرارها الدفينة.

   و بما أن هؤلاء ساهموا في الشريط كمنتجين تنفيذيين لا بأس و نحن بصدد الحديث عن إنتاج الشريط أن نقف لحظة عند سؤال المنتج التنفيذي. ما طبيعة هذا المنتج؟ و ما هي وظيفته في الشريط؟ و كيف يتم التعامل معه خاصة إذا كان من طينة هؤلاء السينمائيين الكبار الذين يصعب التواصل معهم عادة لأسباب عدة؟ذلك ما سنحاول الإجابة عنه من خلال الفيلم الذي نحن بصدده ” صوت هند رجب”.

 –  من هو المنتج التنفيذي و كيف تكون مساهمته في إنتاج شريط سينمائي؟

    يعتبر المنتج التنفيذي شخصية مهمة في صناعة الفيلم، و هو يساهم في الإنتاج عادة إما ماديا من خلال مساهمة مالية مباشرة، أو معنويا من خلال دعم الفيلم بما يملكه من شهرة و سلطة رمزية . و بحسب ما أدلت به المخرجة كوثر بن هنية لبعض المنابر الإعلامية،  فإن مساهمة هؤلاء المشاهير كانت على العموم من باب الدعم المعنوي و السياسي. و  صرحت أن هؤلاء المنتجين أبدوا تأثرهم الشديد بحكاية الفيلم مما جعلهم ينضمون إليه كمنتجين تنفيذيين لتسليط الضوء على قضية الطفلة هند رجب في المحافل السينمائية العالمية. و يساهم المنتجون التنفيذيون كذلك في تسهيل التوزيع، لما يمتلكونه من شبكة علاقات واسعة مع كبريات المؤسسات السينمائية العالمية.و على صعيد آخر، يمكن لهؤلاء بما يملكونه من رمزية و شبكة علاقات واسعة تقديم دعم للفيلم على مستويات أخرى متعددة، من قبيل التوجيه الفني لطاقم الشريط، و الوصول  إلى الموارد و المواهب الفنية، إذ يمكن بهذا الخصوص تسهيل التعاقد مع فنيين محترفين على مستويات التصوير و الصوت و الموسيقى و غيرها. بالإضافة إلى تيسير المشاركة في التظاهرات العالمية و المهرجانات …إلخ.. و هي كلها أمور إيجابية تفيد الشريط سواء خلال الإنتاج أو في مرحلة التوزيع.

 – كيف يتم التواصل مع هؤلاء الممثلين و المنتجين العالميين للمشاركة في تنفيذ الإنتاج؟

     عادة لا يتم التواصل مع هؤلاء المنتجين المنفذين بشكل مباشر. إنما توجد آليات و قنوات مختلفة  للوصول إليهم. و من المرجح أن فيلم ” صوت هند رجب” وصل إلى هؤلاء المنتجين التنفيذيين لما تملكه المخرجة كوثر بن هنية من شبكة واسعة من العلاقات المهنية بحكم تواجدها في عدد من المهرجانات العالمية، مثل مهرجان كان الذي حظيت بشرف المشاركة فيه أكثر من مرة. حضرت كوثر بن هنية المهرجان أول مرة سنة 2017 بفيلمها ” على كف عفريت” الذي عرض ضمن فقرة ” نظرة ما ” .  كما شاركت بنفس المهرجان للمرة الثانية سنة 2023  بشريطها الوثائقي ” بنات ألفة”.. هذا الشريط خلف اثرا إيجابيا لدى المشاهدين بسبب توليفته الفنية بين الوثائقي و التخييلي، و هو يحكي القصة المؤلمة لأم تونسية التحق ابناها بتنظيم داعش. كما ترأست المخرجة خلال نفس السنة لجنة تحكيم أسبوع النقد بنفس المهرجان. و لها أيضا حضور وازن في عدد من المهرجانات الدولية الأخرى.

و يتم التواصل كذلك مع هؤلاء من خلال شركات الإنتاج الدولية كشركة تانيا فيلم الفرنسية و شركة فيلم4 بروديكشنز البريطانية، و هذه الشركات تملك اتصالات مباشرة مع وكلاء و مديري أعمال النجوم الكبار. كما يتم الاتصال بهؤلاء النجوم أيضا عبر وكلاء أعمالهم، الذين يتم إطلاعهم على الشريط و إقناعهم بقيمته الثقافية و الفنية قصد الحصول دعم موكليهم. تنضاف إلى ذلك مسألة الاقتناع الشخصية بالقضية العادلة  المثارة في الشريط، بناء على الخلفية الثقافية و السياسية للفنان أو المنتج، الذي يجد نفسه مدفوعا لمؤازرة و دعم الشريط انطلاقا من إيمانه بالقضية التي يدافع عنها.

و أعربت المخرجة كوثر بن هنية عن تقديرها العميق لكل هؤلاء الذين ساهموا في إنتاج فيلم “صوت هند رجب”. وأكدت أن دعمهم كان أساسياً لمنح هذا المشروع السينمائي نطاقاً دولياً. كما ذكرت أن مشاركتهم سمحت للفيلم بالوصول إلى جمهور واسع، وساهمت في زيادة الوعي العالمي بالمأساة التي عاشتها  الطفلة هند رجب وعائلتها سواء خلال المحنة أو بعدها، كما أعربت عن امتنانها لفرق الإنتاج، مشيرة إلى أن التعاون مع الجميع كان مبنياً على ثقة متبادلة واحترام عميق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى