عزيز الحنبلي
في 9 سبتمبر 2025، نفّذت إسرائيل ضربة جوية على مقر حماس في منطقة لقطيفة (Leqtaifiya) في الدوحة، مستهدفة قيادة الحركة أثناء اجتماع للتفاوض على وقف إطلاق نار وتبادل أسرى. سقط ضحية الضربة أفراد من حماس وعدد من المدنيين، بالإضافة إلى ضابط أمني قطري.
نددت قطر والعديد من الدول العربية والدولية بالضربة، معتبرة أنها تمثل انتهاكًا لسيادة دولة ذات وزن في الوساطة الدولية، وأنها تقوّض فرص السلام والمفاوضات.
لا شيء في الأعراف والقوانين الدولية يسمح باستهداف دولة ذات سيادة دون موافقتها، إلا في ظروف مقاومتية واضحة وضرورية، وبموافقات دولية أو بمسارات قانونية واضحة. ضرب مقر على أرض دولة عربية أثناء أداء هذا الدور الوسيط يفتح الباب أمام إساءة فهم نوايا إسرائيل تجاه الدول المحايدة أو التي تحاول لعب دور الوسيط.
قطر لطالما كانت وسيطًا بين الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية، وساعدت في التفاوض على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. الضربة على الطاولة التي كان يُعقد فيها اجتماع مفاوضات تُظهر أن العمليات العسكرية لا تنظر إلى ما إذا كانت المفاوضات تسير، وأنها قد تُفجَّرها. هذا يُفقد الوسيط بعض الثقة الضرورية له، ويجعله في وضع لا يحسد عليه بين الحلفاء والمجتمع الدولي.
بهذا الفعل، تصبح المنطقة أقرب إلى الانهيار في التوازن الدقيق القائم بين القوة العسكرية والشرعية السياسية، بين الأمن والسياسة. إسرائيل بذلك تُرسل رسالة أن أي طرف يُعتبر “ذو علاقة بحماس” يمكن أن يُستهدف، حتى إذا كان طرفًا محايدًا أو كان يقوم بدورٍ وسطي. وهذا يفتح الباب أمام ردود فعل محتملة من قطر ومن دول الخليج، وربما تحالفات سياسية جديدة أو مقاطعات دبلوماسية أو حتى عمليات مماثلة.
من منظور القانون الدولي، تُرجَّح أن تُعتبر هذه الضربة انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة، ولمبادئ السيادة واللا تدخل في شؤون الدول. أخلاقيًا، أيضًا، تطرح أسئلة: هل يستقيم استخدام القوة العسكرية في مثل هذا السياق؟ خصوصًا إذا تسببت في أضرار بشرية، أو إذا أدت إلى تعطيل المساعي السلمية المُعلَنة؟
إسرائيل تستفيد من هذا الهجوم في :
تحييد ما تعتبره تهديدًا أمنيًا: إن كانت هناك معلومات استخباراتية تُفيد بأن القيادة تستعد لعمليات ضد إسرائيل، فإن الضربة تأتي ردًا مسبقًا لقطع الطريق عليها.
رسالة سياسية وتحذير: لإظهار أن إسرائيل لن تتردد في استهداف من تعتبرهم خصومًا حتى لو كانوا داخل حدود دولٍ ذات سيادة، وأن الوساطة لا توفر حصانة تامة.
تقويض الثقة بالوساطات: قد تفقد قطر أو وسطاء آخرون رغبتهم في مواصلة التفاوض إذا كانوا معرضين لضربات مفاجئة كهذه.
ردود فعل عربية ودولية قوية: من إدانة سياسية وحتى عقوبات أو تغيير في التحالفات، مؤسسات دولية قد تُطالب بمحاسبة. بالفعل، وزارة الخارجية القطرية والدول العربية أدانت الحادثة.
تصعيد عسكري محتمل: الردّ القطري أو الإقليمي أو من جهات تابعة لحماس قد يؤدي إلى مزيد من الاشتباكات، وربما توسيع نطاق الصراع.
من وجهة نظري، ما حدث في الدوحة ليس مجرد حادث عسكري عابر، بل هو مؤشر خطير على تغيّر في قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. لم تعد الهجمات تُقتصر على مناطق الصراع المباشر؛ باتت تشمل الدول المحايدة التي تحاول الوساطة.
يجب أن يكون هناك ردّ عربي موحَّد، ليس فقط بالإدانات وإنما أيضًا بخطوات دبلوماسية واضحة لحماية سيادة الدولة، وإعادة تأكيد أن الوساطة والمفاوضات يجب أن تكون محمية من أي تجاذبات عسكرية مفاجئة. كما يجب على المجتمع الدولي أن يفرض آليات للمساءلة، وأن يؤكد أن القانون الدولي ليس خيارًا بل ضرورة للتعايش والاستقرار.
العدوان الإسرائيلي على الدوحة يمثل طعنة في مبدأ سيادة الدول، وضربة قوية لآمال السلام والتفاوض. هو بمثابة إعلان ضمني بأن التوازن السياسي والدبلوماسي لم يعد كافيًا لحماية الدول التي تحاول أن تلعب دور الوسيط.
إذا لم يكن هناك ردّ عادل، منسق، وقوي، فإننا نواجه احتمال وقوع المنطقة في دوامة عدوان دائم تتسع حدودها وتتعقد تداعياتها.