وجهة نظر

بين “الخبراء” والحركة النقابية المناضلة-عثمان باقة

  في زمن التحولات الكبرى، حيث تتعاظم التحديات الاجتماعية وتزداد المطالب الشعبية بالعدالة والشفافية، يطل علينا بين الفينة والأخرى بعض ممن يسمون أنفسهم “خبراء”. غير أن صفة الخبير، في معناها الحقيقي، تفترض فيها النزاهة الفكرية والاستقلالية النقدية، بينما هؤلاء اختاروا أن يجعلوا من أنفسهم أبواقا مجانية لخطاب حكومي متهافت، مدافعين بهستيريا غير مفهومة عن اختيارات، طالما انتقدتها النقابات المناضلة، وفي مقدمتها غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتعتيم على حسابات صناديق عمومية مولت من جيوب دافعي الضرائب.

المثير في الأمر أن هذا الدفاع لا يصدر عن قناعة معرفية أو رؤية موضوعية، بل عن حاجة دفينة للفت انتباه “الكبار”، لعل بعض الفتات المتساقط من موائدهم يجد طريقه إلى موائد هؤلاء “الخبراء”. فتتحول الاستقلالية الأكاديمية المزعومة إلى ولاء وظيفي، وتغدو “المجانية” في خدماتهم السياسية مجرد استثمار في رصيد شخصي يتهالك مع كل ظهور إعلامي مبرمج.

وإذا كان من حق كل مواطن أن يتبنى الموقف الذي يشاء، فإن المرفوض هو تحويل النقاش العمومي إلى ساحة صراخ، تقاطع فيه كلمة النقابة، وترفع فيها الأيدي بدل الحجج، ويستعمل فيها التهريج بدل التحليل. فبدل أن نرى في هؤلاء مساهمة في ترشيد النقاش العمومي، نجد أنفسنا أمام أسلوب هجومي متشنج، يوحي وكأنهم حضروا بتكليف غير معلن، لأداء مهمة محددة: التضييق على الخطاب النقابي المناضل، بغية تشويه صورته لدى الرأي العام متناسين ان التاريخ سجل مليء بمواقف كل طرف.

إن الحركة النقابية، بقدر ما تواجه من ضغوط مادية ومؤسساتية، تواجه كذلك هذا النمط من “المعارك الجانبية” التي تدار بأدوات التهجم والتشويه بدل الحجاج العقلاني. لكن التاريخ القريب والبعيد يعلمنا أن كل من استرخص كرامته الفكرية، وجعلها جسرا للعبور إلى مصالح ضيقة، انتهى في الهامش، بينما بقيت النقابات المناضلة عنوانا للصمود ومطلب العدالة الاجتماعية.

ولذلك، فإن المعركة اليوم ليست فقط ضد سياسات حكومية غير شفافة، بل أيضا ضد ثقافة “الخبير الموظف” الذي يبيع صوته ووجهه في سوق الولاءات. وهو ما يقتضي من الرأي العام أن يميز بين النقد الصادق والجدل المأجور، بين الصوت الذي ينحاز للشغيلة والطبقات الشعبية، والصوت الذي يعلو بالصرخات وينخفض بالمواقف حين تنطفئ الكاميرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى