مجتمع

رحيل عيزي أحمد الزفزافي

محمد صلحيوي
رحل عيزي احمد الزفزافي، يوم الثالث من شتنبر الحالي وكان العقد الأخير من حياته، رحمه الله، عقد صبر وصمود وثبات على  وطنية الحراك الشعبي بالريف والدفاع على معتقليه.
رحل غيزي احمد، وكان الشاهد على التفاعل المنتج بين الحراك الشعبي وبعض نخب الثقافة المغربية ونخبة من سياسييها الحزبيين.
كانت جنازته جنازة إستثنائية، والإستثناء إيجابي هنا وبكل المقاييس والمعايير، منها الحضور الإستثنائي أيضاَ لابن الفقيد، المعتقل السياسي ناصرالزفزافي، الذي اختار أن يشيع والده، وعلى غير العادة، ومن سطح منزل العائلة، بكلمة مركزة ومضبوطة الصياغة والمعنى والمرمى، وفي موضوع الوطن والوطنية، وبكاريزما قيادية بارزة، أكد من خلالها المؤكد من تجربة الحراك الشعبي بالريف.
ومن منطلق تأكيد المعتقل ناصر الزفزافي لمؤكد طبيعة الحراك الشعبي الوطنية، فإن تذكير واستحضار سياق ماقبل الحراك مسألة جوهرية للإمساك بقوة ووضوح بكلمة ناصر  التي ألقاها في حيز زمني قصير.
فمنذ 13سنة، وتحديداَ أيام 16-17-18 (2013 ) نظم الحزب الاشتراكي الموحد بالهرهورة جامعة خريفية وطنيةفي موضوع “اليسار المغربي والتغيير الديموقراطي” بمشاركة أكاديميين ومثقفين في حقول معرفيةوسياسية، طرحت خلالها الأمينة العامة للحزب الإشتراكي ألموحد آنذاك، الدكتورة نبيلة منيب، شعار: “من الإرادة الشعبية إلى السيادة الشعبية”، وذلك تدقيقاَ لتجربة حركة 20 فبراير، وأن الأساسي من تجربتها هو روحها المتمثل في حضور الشباب مع إرادة “الشعب يريد”، مع التذكير ثانية بأننا نستحضر عبارة ملهمة رددناها كثيرا، وهي أن “التاريخ المعاصر، هو تاريخ شبيبته،واعتبرناها طليعة إشعاعية؛ كما عرفت تلك الجامعة الخريفية طرح الفوارق الاجتماعية والنوعية والبيئية والمجالية، وقد كان مفهوم” المجالية” محط نقاش انصب حول نجاعة المفهوم في معالجة قضايا الماضي والحاضر، خصوصاً وأن المغرب قد عرف لحظة من أغنى لحظات مغرب مابعد الإستقلال، لحظة هيئة الإنصاف والمصالحة، لحظة حوار مغربي مغربي. وأهم خلاصة من تلك التجربة هي جبر الضرر الجماعي والمناطقي. بكلمة واحدة، كانت تلك الجامعة الخريفية أقوى من مؤتمر وطني حزبي، فقط كانت الحاجة ماسة إلى تجربة اجتماعية عينية للتطور.
بعد هذا الإسترجاع الطويل نسبياَ للسياق الفكري لما قبل الحراك الشعبي بالريف، أعود إلى كلمة ناصر الزفزافي في جنازة والده، عيزي أحمد الزفزافي رحمه الله،إذ أكد في المقطع الأول منها، وبعد توجيه الشكر للحضور الشعبي المهيب للمشيعين، بالقول”مهما اختلفنا، ومهما كانت لنا أفكار وآراء، فإن كل ذلك يصب في مصلحة الوطن، فلا شيء يعلو على مصلحة الوطن”. وهنا أذكر بالموقف المتفاعل مع الحراك الشعبي والذي عبرنا عنه وفي الناضور والحسيمة، يومي 14-15 يوليوز2017حين أكدنا على أن الحراك الشعبي بالريف، هو في مصلحة الدولة والمجتمع. وفي اوج
الحراك الشعبي بكل مواقغه، وهو الحراك الذي فرض السؤال التالي: كيف يمكن أن يكون لحراك مناطقي أن يكون أساس استراتيجية وطنية للتحديث والدمقرطة.
وفي المقطع الثاني من الكلمة، نوه بمندوب إدارة السجون وبفريقه لتمكينه من تحقق أمنية حضور جنازة والده رحمه الله مضيفاَ” أعرف جيدا ما أقوله، وأن الأمر ليس بالسهولة التي قد بتصورها الَناس”.
وفي المقطع الثالث، يدقق مقصود الوطن،إذ قال: “وحين أقول الوطن، فإني أقصد المغرب: صحراءه جنوبه وشرقه وشماله غربه”، والمعروف
أن طرح العدالة الاجتماعية والجهوية والمناطقية شكل تفاعلا ومنتجاَ مع وطنية الحراك الجامعة لكل بنات وأبناء الوطن بتنوعه الثقافي وبكل أرصدته التاريخية وبكل رموزه.   وفي المقطع الرابع، وبعد تجديد الشكر للحضور الشعبي المهيب للمشبعين، أكد أن “حضوركم إنتصار للوطن”. وهنا تبرز أهمية التذكير بالكلمة التاريخية التي ألقاها الفقيد عيزي احمد الزفزافي رحمه الله في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني الرابع للحزب الاشتراكي الموحد، توضيحاَ لدروس الحراك، والتي كانت، أي الجلسة الإفتتاحية، هي المؤتمر برمته.
فكما أن كثيرين لم ينتبهوا لعمق الشعار “من الإرادة الشعبية إلى السيادة الشعبية”، فهناك أيضاَ من لم ينتبه لدروس الحراك الشعبي فداهمتهم دقة ووضوح ناصر الزفزافي الذي تحدث، وبمسؤولية قيادية، مؤكدا قيم الحراك الشعبي الوطنية، وفي قلب هذه القيم، “قيمة المصالحة التاريخية الحقيقية مع الريف ومع كل الجهات المهمشة، وهو الذي لم يكن مثار الاختلاف، واقوى موضوع التفاعل المنتج مع الحراك.
كلمة المعتقل السياسي ناصر الزفزافي، أكدت أن الحراك الشعبي، حركة إجتماعية مدنية سلمية حضارية، وكرس دروس تجربة نوعية للحركة الاجتماعية. تحضر هنا قولة المؤرخ المغربي الراحل، الفقيد إبراهيم ياسين:” في أعماق مجتمعنا يُصنع مستقبل المغرب. حراك الريف محرك قوي في هذا المصنع.
معتقلو الريف وعائلاتهم وقود مشع لهذا المحرك”.ه
كل ما سبق هو مسار التفاعل المنتج، لفئة من المفكرين وفصيل سياسي مع الحراك الشعبي بكل مواقغه، الأمر الذي يفتح أفق التفكير ومباشرة حوار وطني، في قضايا من قبيل
تحديد المضمون التجديدي لثقافتنا السياسية الوطنية الحداثية تتطلب
تحديد المضامين التي تعبّر عنها و تحملها وتحيل عليها مقولة الوطنية المتجددة؟
و نطرح الحوار لتبادل  الرأي في مواضيع أساسية على رأسها: أي تعاقد جديد بين الدولة و المجتمع؟ أي سبل لتجديد الوطنية المغربية؟ أي مسار لتمنيع الوطن إنسانا و تراباَ؟٠
من المأثرة الكبرى لحوار وطني مغربي – مغربي أنه يتيح ويحفز النخب الثقافية والفكرية والميدانية التي تقول عن نفسها إنها ديموقراطية وحداثية ومواطناتية مصرة على جعل مستقبل الوطن أم الأولويات والمهام.
الحرية لمعتقلي الحراك الشعبي بالريف وكل المعتقلين السياسيين والصحافيين والمدونين وطي صفحة الإنتهاكات لحقوق الإنسان ومباشرة المصالحة التاريخية مع كل الجهات والمناطق المهمشة بأفق عدالة اجتماعية وجهوية ومناطقية وتجديد مقولة الوطنية المغربية لتصبح حاضنة وجامعة لكل بنات وأبناءالوطن بتنوعه الثقافي وبكل أرصدته التاريخية وبكل رموزه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى