في أفق انتخابات 2026.. الكوطا النسائية بين “الحق”و”الريع السياسي”

محمد جرو/تنوير
ضجت بداية الأسبوع مواقع التواصل الإجتماعي، بصور لنساء مغربيات يمثلن تنسيقية النساء من شتى التنظيمات النسائية للأحزاب السياسية، يطالبن بمشاركة سياسية “وازنة” للنساء في أفق انتخابات 2026 لتحقيق تمثيلية داخل المؤسسات.
بالنظر إلى هذه التحركات استفزتنا أسئلة متكررة قد تكون مشتركة بين فاعلين وغيرهم، مثل: هل الأمر محمود أم هو “هرولة “نحو الريع السياسي؟
وبذلك آثرنا بث شريط دخول النساء المغربيات لمعترك السياسة منذ فجر أول انتخابات، ضمانا لتبوؤ مكانتهن داخل المؤسسات المنتخبة.
فقد قطع المغرب أشواطا كثيرة لتصل نساؤه إلى قبة البرلمان بالتحديد، في ظل هيمنة ذكورية، وهذا هو جوهر المشكل الحقيقي الذي ساهمت فيه تربية وثقافة وسلوك من داخل المجتمع للأسف عمقته الدولة بأجهزتها وسياستها. ففي خضم الارتدادية السياسية للربيع العربي، طُرح التمكين القانوني للمرأة في المغرب ضمن حزمة الإصلاحات الدستورية الرامية إلى تمتيع كافة المواطنات والمواطنين بالحقوق والحريات الأساسية. وأكد دستور 2011 على سعي الدولة إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء بموجب الفصل 19، مع التنصيص على وضع أحكام لتسهيل وصول المرأة على قدم المساواة إلى المناصب التي تشغل بالانتخاب بموجب الفصل 30.
في ضوء ذلك تم الرفع من عدد مقاعد الكوتا إلى تسعين مقعدا موزعة بين ستين مقعدا لفائدة النساء فيما خصصت المقاعد الأخرى للشباب، ونتاج ذلك فقد تضاعف عدد البرلمانيات ليصبح 67 بفضل نساء نجحن ضمن اللوائح المحلية، لكن تحسن نسبة التمثيلية النسائية (%16.96) ظل دون انتظارات الحركة النسائية، ولم يعكس الإقبال المتزايد للنساء على المجال السياسي لأنه بالاقتصار على عدد الناجحات عبر اللوائح المحلية فإن نسبة التمثيلية بمجلس النواب لم تتجاوز 9%، جرَّاء مجموعة من عوامل، لعل أبرزها هيمنة أعيان الانتخابات على لوائح الترشيح، التي لم تتصدرها النساء سوى بنسبة 5.24%.
وربما اتفقنا على أن هبوب نسائم الربيع الديموقراطي على المنطقة العربية، محمولا بمطالب شكلت حركة 20 فبراير المجيدة “ثورة” لإرغام الدولة على الإستماع لصوت الشعب ذكورا وإناثا، ولأول مرة في تاريخ المغرب منذ أول وثيقة سنة 1907، تسموالمواثيق الدولية والتي دبج بها دستور 2011 رغم تحفظاتنا وعدم تصويتنا على فصوله، شكلت كوة نطل منها على بصيص أمل، وأقرت الدولة بسمو هذه المواثيق على كل القوانين بما فيها الدستور، والمعضلة طبعا في التنزيل وتداعياته أصبحت واقعا لا يرتفع.
على أنه لابد من التذكير أن سنة 2002 اعتبرت منعطفا فاصلا في مسار التمثيلية البرلمانية بتخصيص ثلاثين مقعدا لفائدة النساء بمجلس النواب، وبفضل هذا الإجراء أسفرت تشريعيات 2002 عن فوز النساء بـ35 مقعدا، ثلاثون منها بموجب نظام “الكوتا”، وخمسة أخرى ضمن اللوائح المحلية بفضل تطبيق نمط الاقتراع اللائحي في الدوائر الكبرى، وهو ما أسهم في ارتفاع نسبة التمثيلية النيابية للنساء التي انتقلت من 0.6% إلى حوالي 11% ما جعل المغرب يتصدر الدول العربية، ويتقدم بخطى حثيثة على المستوى الدولي باحتلاله الرتبة 71 في ترتيب البرلمانات على مستوى المشاركة النسائية.
وبحسب دراسات مهمة في هذا المجال، ومنها واحدة للأستاذ أحمد زعنون، الذي يؤكد فيها ضمن ما خلصت إليه الدراسة ذاتها، ضمن نفس الإطار التشريعي جرت انتخابات سبتمبر 2007، حيث استمرت الأحزاب السياسية في الالتزام بتخصيص 10% من مقاعد مجلس النواب للنساء، لكن نتائج الانتخابات أسفرت عن تراجع طفيف في تمثيلية النساء بمجلس النواب (10.47%)، بسبب تراجع عدد البرلمانيات الناجحات عن طريق اللوائح المحلية من خمسة إلى أربعة، نتيجة تراجع معدل ترشيح النساء كَوَكِيلات للوائح المفتوحة والذي لم يتعد 3% بسبب إحجام معظم الأحزاب السياسية عن ترشيح النساء على رأس القوائم المحلية.
واستمرارا في قراءة وتحليل بعض من معطيات الدراسة سالفة الذكر، فإن توسيع نسب الكوتا وبين عدد البرلمانيات اللواتي ولجن للبرلمان عبر الدوائر المحلية منذ إقرار نظام الكوتا بالانتقال من 5 سنة 2002 إلى 7 في 2011 ليقفز إلى 10 سنة 2016. وربما نرجع سبب ذلك إلى المعطيات العددية التي قد تكون “صماء” في الكثير من الأحيان ولا تسعف في الحكم على تتبع التأثيرات المُهيكِلة لنظام الكوتا في التخفيف من “التحيزات الذكورية”، بل على النقيض من ذلك قد توحي دلالاتها باتجاهات تراجعية في ظل هيمنة الخلفيات “غير الديموقراطية” في اختيار المرشحات، بشكل يهدد بتحويل “الكوتا” من آلية ظرفية للتمييز الإيجابي إلى غطاء “لتبرير الريع السياسي”، إضافة إلى طابعها الانتقائي في ظل استمرار التعامل مع بعض المؤسسات كأنها “حصون ذكورية” مثل مجلس المستشارين والهيئات المؤثرة في القرار العمومي مثل هيئات الحكامة.
و بحكم استمرار المنطق البراغماتي الذي يجعل الأحزاب ترشح النساء في أسفل اللوائح، إضافة إلى عوامل موضوعية ترتبط بالهندسة الانتخابية، بحكم هيمنة الدوائر الانتخابية ذات الطابع القروي والاقتراع الفردي الذي غالبا ما يصب في صالح الرجال.
فهل تدخل هذه “المشاورات” كما سمتها إحدى المشاركات في اللقاءات مع أمناء الأحزاب السياسية، ضمن تحركات لخطب ود هؤلاء “الرجال” حتى ينصفن بنات جلدهن أثناء إعداد قوائم التزكيات المقبلة؟ أم الدافع هو ضعف التنسيق بين البرلمانيات السابقات، وتراجع الأدوار الترافعية والتأطيرية للمنظمات النسائية التابعة للأحزاب السياسية، فضلا عن عوامل أخرى ذات أبعاد “سوسيوسياسية” على اعتبار أن المنافسة بالدوائر المحلية تحتاج إلى تجذر بالقاعدة الانتخابية وإلى امتلاك الوسائل الكافية لمواجهة المرشحين الذكور الذين يملكون المال و”البلطجة”؟ والخطير بحسب تجارب ووقائع جل الإنتخابات، وعبر الملاحظة الانتخابية، أن النساء أنفسهن من “يحددن “الفائز بهذا المقعد وبتلك الدائرة، حيث يشتغلن خلايا نحل ويوظفهن أصحاب “الشكارة”، حتى ضد أخواتهن من المترشحات..
مؤشر آخر، بحسب خلاصات واستنتاجات منها ما وصل إليه الأستاذ زعنون الذي نشر الدراسة منذ سنة 2022، لا يقل أهمية يتمثل في ضعف أثر الكوتا الانتخابية في تصحيح فجوات العدالة التمثيلية. فنظام الكوتا لم يساعد البرلمانيات على إعادة الانتخاب في البرلمان أو مراكمة الخبرات المكتسبة في تولي مناصب انتدابية بالمجالس الجماعية والجهوية، في الوقت الذي كان من المفروض أن يستفدن من مهامهن الانتدابية في تشييد شبكات علاقات وموارد تمكنهن من اقتحام المنافسة الانتخابية وتؤهلن للرجوع إلى البرلمان عبر اللائحة المحلية، وهو أمر لم يحدث إلا في حالات معدودة.
تخلص الدراسة إلى أن المكاسب الآنية لنظام الحصص يجب أن لا تحجب تداعيات على مستقبل المشاركة السياسية للمرأة، وعلى حقيقة موقعها التمثيلي بالمؤسسات المنتخبة، إذ كلما تم توسيع عدد مقاعد اللوائح المغلقة كلما تراجع ولوج النساء للمؤسسات التمثيلية عبر اللوائح المفتوحة، حيث تجد بعض الأحزاب ضالتها في نظام الحصص لتعتقل النساء في “گيتو انتخابي” يعفيها من منافستهن بالدوائر المحلية، فضلا عن إضعاف تواجدهن بالأجهزة التنفيذية للمؤسسات التمثيلية، ووجود عدة قيود تحول دون تأثيرهن الفعال في جعل السياسات والبرامج العمومية أكثر استجابة لمتطلبات النوع الاجتماعي وتحقيق المساواة بين الجنسين