وجهة نظر

ما قبل و ما بعد 7 اكتوبر: المقاومة من فتح إلى حماس

بقلم: الأستاذ نجيب خياط
منذ السابع من أكتوبر تغيّرت معادلة الصراع. ما بدا في البداية صدمةً لإسرائيل تحوّل بسرعة إلى فرصة استثنائية استثمرها اليمين المتطرف ليُخرج إلى العلن مخططًا كان يُحضَّر منذ سنوات:
الحسم لا التسوية، القوة لا الحوار.
لم تكن التحركات ارتجالية، بل ثمَرة استعدادات طويلة المدى: تلغيم الهواتف والبنى التحتية، تطوير أدوات التجسس، توسيع المستوطنات، تجهيز علم الإعلام لتوجيه الرواية، وتحريك الجواسيس والمخابرات داخل لبنان سوريا وإيران وتركيا . وحين وقعت الصدمة، تحرك الغرب كتلة واحدة، بدبلوماسية وإعلام وسلاح، ليؤكد أن ما جرى لم يكن رد فعل على حدث مفاجئ، بل تفعيل لمخطط مُعدّ ومُعقد سلفًا.
لكن الصراع لم يكن مع حماس وحدها كما حاول الاعلام العربي التسويق له. إسرائيل تدرك أن القضية أعمق: هي مواجهة مع شعب بأكمله لا يمكن اقتلاعه وتهجيره إلا بالقوة والتدميروالترهيب. لذلك صارت غزة هدفًا للتجويع والقصف، والضفة هدفًا للتوسع والتهجير، والشعب كله هدفًا للضغط النفسي كي يغادر أرضه. ومع ذلك، يظل الفلسطيني صامدا، يحوّل كل محاولة للقوة إلى تحدٍّ جديد، ويرسّخ أن وجوده لا يُمحى بالقصف. هنا بدت الخلاصة الأولى – التي تقول إن الصمود وحده كفيل بإفشال المخطط – خلاصة رومانسية أكثر من اللازم، لأن القضية ليست مجرد معركة بين قوة عسكرية وشعب يقاوم، بل أيضًا معركة على من يُمسك بخيوط التوظيف الإقليمي.
فحماس نفسها لم تكن مجرد حركة محلية، بل تحوّلت إلى ورقة في يد القوى الإقليمية. مصر رأت فيها امتدادًا للإخوان المسلمين وتهديد لامنها القومي
. السعودية والإمارات حاربتاها باعتبارها جزءًا من مشروع الإسلام السياسي. إيران وظفتها ضمن محور المقاومة ثم تخلّت عنها حين اقتضت المصالح. تركيا وقطر احتضنتاها على مَقاسِهِما: الأولى لحماية صورتها “الإسلامية” وموازنة علاقتها بالغرب، والثانية لتمويلها ومنحها شرعية دولية تحت مظلة أمريكية. وهكذا، بدل أن تكون حماس رافعة لوحدة الشعب، صارت عنوانًا للانقسام الفلسطيني، منذ لحظة تضخيمها في مواجهة فتح وأطفال الحجارة.
هنا يطلّ الدور القطري كأكثر الأدوار إلْتباسًا. فمنذ الانتفاضة الأولى، دعمت قطر مسارًا أفضى إلى شرذمة البيت الفلسطيني: من مقاومة شعبية جامعة يقودها أطفال الحجارة إلى مواجهة داخلية دموية بين غزة ورام الله. دعمت حماس بالوكالة ماليًا وسياسيًا، لكنها في النهاية أبقت نفسها تحت المظلة الأمريكية، ما جعل دعمها أقرب إلى ورقة تفاوضية منه إلى التزام استراتيجي. بهذا الشكل، ساهمت قطر في إبقاء القضية الفلسطينية حيّة شكليًا عبر دعم فصيل واحد، لكنها ساهمت عمليًا في تثبيت الانقسام الذي استفادت منه إسرائيل أكثر من أي طرف آخر.
في ضوء هذا كله، يظهر أن الرهان على الصمود وحده رهان جميل لكنه ناقص، وربما رومانسية تغفل حقيقة مُرَّة، وهي أن الفلسطيني لا يقاتل إسرائيل فقط، بل يقاتل أيضًا شبكة معقدة من القوى التي توظف قضيته وتعيد تشكيلها وفق مصالحها. إسرائيل تمتلك القوة المادية والمخططات، الغرب يمنحها الغطاء، وحماس تُستعمل كورقة في لعبة إقليمية تتحكم فيها قطر وتركيا وإيران وغيرها من الدول. وسط هذه اللعبة يبقى الشعب الفلسطيني، وحده تقريبا، يدفع الثمن الأكبر من دمائه ووجوده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى