ثقافة و فن

رأي الدكتورة وسام علي الخالدي في كتاب “الحي المحمدي: وجوه وأمكنة” لحسن نرايس

هذا النص السيري–الوصفي، ينزاح الكاتب حسن نرايس عن الحيّز الزمني الآني، ليغوص في ذاكرة جماعية ملأى بالشجن، معيدًا إنتاج فضاء الحي المحمدي لا كجغرافيا فقط، بل ككائن حي نابض بالألفة والحنين. إن ما يقدمه نرايس في “الحي المحمدي.. وجوه وأمكنة” ليس سردًا توثيقيًا محضًا، بل إعادة تخييل لماضٍ لا يزال يحيا في عروق اللغة، وفي مفاصل التفاصيل الصغيرة.
إنه كتاب لا يراهن على الوقائع بقدر ما يراهن على قوة الذاكرة الشعرية، حيث تتحول “عوينة شامة”، و”تيران الحفرة”، و”درب مولاي الشريف”، من أماكن إلى رموز، ومن مشاهد عابرة إلى مشاهد محفورة في ذاكرة المكان والهوية. وهنا تبرز براعة الكاتب في تحويل المحكيات اليومية إلى بورتريهات سردية مفعمة بالحياة، والصدق، والإنسانية.
الأسلوب الذي كُتب به المقال نفسه، يُحاكي روح الكتاب: نثري، وصفي، محمل بالشاعرية التي تلتحم بالمكان والتحولات الاجتماعية. لكنه في الوقت ذاته يظل بحاجة إلى مزيد من التوازن بين البعد السردي والتحليل النقدي، إذ يغلب عليه الطابع الانفعالي –وهو مشروع– لكن النقد لا يكتمل إلا بتفكيك الأدوات السردية واستراتيجية الكتابة التي اعتمدها حسن نرايس.
فالكاتب، في حقيقة الأمر، يمارس أدب الذاكرة برؤية سينمائية وحنين مؤلم، حيث الزمن لا يُستعاد فقط، بل يُعاد تشكيله ليقول شيئًا عن الحاضر، عن التحولات القيمية، وعن فُقدان البراءة في زمن يُسيّج الإنسان فيه غربته بالخرس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى