ثقافة و فن

حسن نجمي يؤطر لقاء في إطار الجامعة الصيفية للشباب دورة بوزنيقة 2025 التي تنظمها جمعية المواهب للتربية الاجتماعية

متابعة: أحمد رباص
لأن الجامعة الصيفية للشباب دورة بوزنيقة 2025 المنظمة تحت شعار “شباب اليوم قادة تغيير المستقبل” تصادف الاحتفال بذكراها التأسيسية الـ60، قررت جمعية المواهب للتربية الاجتماعية انتداب الدكتور حسن نجمي لتأطير لقاء مفتوح لفائدة شبابها من كلا الجنسين.
يندرج هذا اللقاء ضمن برنامج حافل بالأنشطة واللقاءات امتد على مدى خمسة أيام ابتداء من 21 إلى 25 شتنبر الحالي في رحاب المركز الوطني للتخييم ببوزنيقة.
هذا وقد تجدد اللقاء مع حسن نجمي، الناشط الجمعوي القديم، يوم الأربعاء 24 شتنبر انطلاقا من الساعة العاشرة صباحا ليتحدث في موضوع “الشباب المغربي وتحولات النسق الثقافي بالمغرب”.
تكلف حسن الشافعي، أحد أطر الجمعية، بتسيير هذا اللقاء الذي يندرج ضمن سلسلة من الأنشطة والندوات المؤثثة للجامعة الصيفية للشباب دورة بوزنيقة 2025.

في البداية، رحب الشافعي، باسمه ونيابة عن جمعية المواهب، بالإطار الجمعوي الأثير الذي وصفه عن حق بكونه هرما من أهرامات الثقافة بالمغرب. ثم أشار إلى أن الجامعة الصيفية للشباب برسم هذه السنة تأتي احتفاء بالذكرى الـ60 لتأسيس جمعية المواهب للتربية الاجتماعية.
قبل أن يعطي المسير الكلمة لرئيس الجمعية السابق، قدم للحاضرين، وأغلبهم من الشباب، نبذة موجزة عن مساره الحياتي والدراسي والصحافي النضالي، وكذا عن أعماله الشعرية والروائية والبحثية التي أغنت المكتبة المغربية بشكل خاص والمكتبة العربية بشكل عام، كما تطرق إلى المهام التي أنيطت به كرئيس لاتحاد كتاب المغرب وكرئيس لبيت الشعر وكمستشار لثريا جبران لما تقلدت مسؤولية تدبير قطاع الثقافة، دون أن ينسى ذكر المهمة الحالية كمدير لهيئة الكتاب والمطبوعات بوزارة الشباب والثقافة والتواصل.

كإضاءة منهجية، لفت حسن الشافعي انتباه الحاضرين إلى أن هذا اللقاء مع مؤلف “رأس الشاعر” يتمفصل وفق ثلاثة محاور: مفهوم الشباب، الشباب المغربي والأنساق من حيث آلياتها، تحولاتها ومسارها. وكتمهيد إلى تعريف مفهوم الشباب، أكد مسير اللقاء المفتوح أن الشباب يعتبر عماد المستقبل وساحة للتجديد والتحويل في أي مجتمع نظرا للطاقات التي يمتلكها والتي بمكنتها الدفع بعجلة التنمية. من ذلك، خلص المسير إلى أن الشباب فئة عمرية تتسم بالنضج والحيوية والنشاط، وبهذا المعنى تكون مرحلة الشباب مرحلة انتقالية بين الطفولة والكهولة. ولأغراض إحصائية صرفة، عدت فئة الشباب فئة عمرية تنحصر بين 15 و24 سنة. أما من وجهة النظر الإسلامية، تبدأ مرحلة الشباب من سن البلوغ وتستمر حتى مرحلة كمال الأهلية.
في بداية تدخله، شكر الأستاذ حسن نجمي أطر وكفاءات الجمعية وخاطب الشباب الحاضرين الممثلين لعدد من فروعها في الحواضر الصغرى والمتوسطة والكبرى ليقول إنهم يعبرون فعلا عن روحها. وأشار المتحدث إلى أن الجمعية إياها تأسست في بادئ الأمر سنة 1965 على يد مثقفين، موضحا أن هذا التأسيس لم يأت كرد فعلي شخصي، بل في إطار دينامية عرفها المغرب في الستينيات، وأن انتفاضة 1965 عنوان أساسي على هذه الدينامية.
وعبر عن شعوره بالسعادة لتواجده في بيته بحكم التحاقه بالجمعية سنة 1977 وهو في ريعان شبابه، وبصفته مبادرا إلى تأسيس فرع لها بمدينة ابن أحمد. في هذا السياق، عاد الشاعر حسن نجمي بذاكرته إلى الماضي ليحدث الحاضرين عن هذه التجربة وكيف أن الشاب الصافي الناصري، الوافد حديثا على بن أحمد والمعين آنذاك مديرا لدار الشباب المحلية، هو من اقترح عليه تأسيس الفرع المحلي للجمعية بعد أن تحدث له عن فتوحاتها ومساهماتها في مجال تثقيف الشباب وتأطيرهم. لكن عندما وصل ملف التأسيس إلى الباشوية رفض مسؤولها الأول تسلمه ظنا منه أن للجمعية أجندة سياسية معادية للنظام الحاكم.
للخروج من هذه الورطة المفتعلة من قبل باشا ابن أحمد، كاتب حسن نجمي عبد الرحمن العزوزي بصفته مسؤولا مركزيا عن الجمعية، ليخبره بما تعرض له مسعاهم من استخفاف وتجاهل من لدن الباشا.

المهم أن السيد عبد الرحمن العزوزي جاء من الدار البيضاء إلى العلوة خصيصا لتلبية النداء، وذهب صحبة أعضاء المكتب المحلي إلى مقر الباشوية حيث استطاع إقناع السيد الباشا بقانونية وشرعية تأسيس فرع للجمعية بابن أحمد، وكفى المسلمين شر القتال بعدما مارس الأعضاء المؤسسون أول تمرين من تمارين المواجهة مع الاستبداد والفساد.
وفي حديثه عن نشاطه تحت لواء جمعية المواهب للتربية الاجتماعية، قال حسن نجمي إنه وباقي الأطر كانوا يشتغلون على ضوء نسق فكري ذي مرجعية ديمقراطية تعنى بمد الجسور مع الوسط الثقافي واستحضار جدلية الثقافي والتربوي. في هذا الإطار، تندرج التظاهرة الكبيرة التي نظمتها الجمعية في مسرح محمد الخامس بالرباط بمشاركة مثقفين وفنانين مرموقين حول ثيمة اللون الأسود في الفن التشكيلي، وعلى هامش هذه التظاهرة ألقى موليم العروسي محاضرة بعنوان “أرضية اللون الأسود في الحركة التشكيلية”. وأسر حسن نجمي لمستمعيه أن الطموح إلى تجسير العلاقة بين الثقافي والتربوي شغل باله خلال هذه المرحلة إلى درجة أنه اقترح استبدال اسم المنظمة باسم الجمعية، واقترح كذلك تغيير اللوغو الخاص بها.
وفي معرض حديثه عن مسألة تعريف مفهوم الشباب، قال الدكتور حسن نجمي إن التعريفات تتغير وتتجدد باستمرار، متبنيا تعريف أبي حيان التوحيدي: الشباب شعبة من الجنون. وأوضح المتحدث المعنى المقصود هنا بالجنون، وهو رفض الوصاية؛ لأن من يحاول ممارستها عليهم لا يعرف هذا الشيء الذي يفكرون فيه، ويجهل خصائصهم. في هذا المقام، نبه المتحدث إلى أننا عندما نريد أن نتكلم عن الشباب، ينفي المجتمع عنهم سمات النضج، ويوصي بتعليمهم الأخلاق، مانحا لنفسه سلطة حتى يتسنى له أن يمارس الوصاية عليهم. ونفس الأمر ينطبق على النساء والأطفال، كما يرى كاتب “ضريح آنا أخماتوفا”.
استنكر حسن نجمي هذا الميل المجتمعي إلى ممارسة الوصاية على الشباب والنساء والأطفال انطلاقا من كون خصوصيات الأجيال مختلفة، ومن واقعة أن كل جيل يعبر عن تجربته، يبني حوارا مع الغير اعتمادا على هذه الخصوصيات التي تميز المرأة عن الرجل، والأم عن ابنتها، والرجل عن ابنه.. لكل جيل خصوصياته وتطلعاته وحاجياته، التي يؤدي فيها الجانب الثقافي واللغوي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي دورا كبيرا.
في إطار ربط الحاضر بالماضي، ذكر الأستاذ حسن الشافعي الحضور بكون جمعية المواهب للتربية الاجتماعية أطرت الملايين خلال عمرها الذي أقفل ستين سنة بناء على مشروع ثقافي تعزز بالورقة الثقافية التي كان حسن نجمي وراء اقتراحها وصياغتها لفائدة الجمعية، والتي تبنتها بعض الأحزاب السياسية. بعد هذا التمهيد، طرح مسير اللقاء على جليسه هذا السؤال: كيف تنطلقون من الورقة الثقافية؟
قبل الجواب، شكر الشاعر المسير على طرحه ذاك السؤال.. وقال إنه نسي تلك الورقة التي ساهم بها في مشاريع الجمعية، لكنه يعي جيدا بأن أفكارها الكبرى ما زالت عالقة بذهنه، مشددا على أن للأفراد دورا في تحريك الأشياء، وأن هناك أفرادا يصنعون الفارق، تبدر منهم أحيانا مبادرات تخلق فارقا كبيرا في المسار التاريخي للأمم.
في هذا السياق، أتى الكاتب المرموق على ذكر تجربة علال بن عبد الله ومحمد الزرقطوني في مقاومتهما البطولية للاستعمار الفرنسي في بلادنا.
في ما يتعلق بالورقة الثقافية، أراد حسن نجمي، من خلال التنسيق مع إخوته في الجمعية، تبني صيغة يكون فيها حاضرا الهاجس الفني والأدبي والثقافي والفكري، أي تلك الحقول التي تصب كلها في المفهوم التربوي بغية وضع مشروع ثقافي داخل الجمعية التي كانت رائدة في هذا المجال.
وفي ما يخص تغيرات الأنساق الثقافية وعلاقتها بالشباب، أشار المتحدث إلى أن النسق الثقافي عبارة عن توليفة تضم قيما وتتسم بتعدد لغوي وأعراف وتقاليد وتعبيرات عن وجود البشر فوق هذه الأرض.

هذه التركيبة، يواصل المتحدث، ذات بعدين، بعد مرتبط بالحقل الثقافي بالمغرب، وبعد آخر متصل بالسياسة الثقافية. في البعد الأول، نتحدث عن الرصيد الجماعي للأمة وشكل حضورها ثقافيا، وبهذا المعنى تكون الثقافة هي كيف نعيش، نتواصل، ونعبر عن العالم، ونتيقن بالتالي من كون طريقة الحياة تختلف من مجتمع إلى آخر، بحيث أن طقوس الحياة المجتمعية اليومية عند القبيلة الأمازيغية تختلف عنها لدى القبيلة العربية. وبعبارة أخرى، عن تعدد الإثنيات والتضاريس ينتج تعدد في الأفكار والرؤى.
وصولا إلى البعد الثاني، أبرز كاتب “لك المملكة أيتها الخزامى” أن السياسة الثقافية ليست هي الحقل الثقافي. وهنا، حكى المتحدث عن تجربة لحسن زينون، أحد أبناء الحي المحمدي الذي وافته المنية قبل سنتين، في تأسيس فرقة وطنية كوليغرافية تجمع سائر فنون الرقص في بلادنا، تمكنت من تقديم عروض فنية في عدة دول أجنبية. ذاع صيت هذه الفرقة إلى أن تناهت إلى علم إحدى الأميرات فقامت باستدعائها لتنشيط حفلة من حفلاتها.
فعلا، امتثلت الفرقة لطلب الأميرة، وبينما كان أعضاؤها منخرطين في تقديم العروض الفنية دخل الملك الحسن الثاني على حين غرة وبدأ يسأل كل عضو عضو من المجموعة عما إذا كان أبوه يمارس هذا النوع من الرقص الذي يمارسه الآن، وعندما اكتشف أن الأعضاء يرقصون رقصا لا يمت بصلة إلى محاتدهم، استشاظ غضبا في احتجاج عن هذا الفصل القسري بين الرقصة ومحيطها الأصلي. وهكذا انتهى مشروع فني منبثق من الرصيد الثقافي للمغاربة.
وعبر صاحب ديوان “سقط سهوا” عن حاجتنا إلى متحف يجمع شتات الروائع الفنية للمجتمع المغربي قبل الاستعمار وأثناءه وبعد الاستقلال. وتساءل: ما المانع من تأسيس مثل هذا المتحف؟ ثم أوصى الجمعيات بأن تبادر إلى إخراج فكرة المتحف إلى حيز الوجود، مؤكدا على وضع استراتيجية ثقافية يفترض فيها أن تعبر عن إرادة المجتمع والدولة، إسوة بما حظي به المجال الرياضي من تخطيط استراتيجي، مشددا على أن تلك الإرادة يجب أن تكون إرادة ملكية لا سياسة حكومية، حتى نضمن استيعاب وحفظ ثقافات محلية وجهوية تعبر عن التعدد الفني والثقافي في بلادنا، بخلاف السياسة الحكومية التي تتغير بتغيير الوزراء والحكومات.
في نهاية اللقاء، منح أطر الجمعية حسن نجمي ذرعا كتذكار شكر وتقدير تعبيرا منهم عن امتنانهم له وتثمينا لمشاركته المتميزة بإضافة نوعية أغنت برنامج الجامعة الصيفية لهذا العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى