اخبار دولية

إسبانيا تشعل شرارة المقاطعة: لا فنّ فوق دماء غزة، ولا مكان لإسرائيل في يوروفيجن: عندما ينتفض الضمير الإنساني

بقلم: حميد قاسمي

لم تعد مسابقة يوروفيجن حدثاً فنياً محضاً كما يُراد لها أن تُقدَّم، بل تحوّلت إلى مرآة تعكس صراع القيم في العالم. قرار إسبانيا الاستعداد للانسحاب من المسابقة في حال مشاركة إسرائيل لم يكن سوى الشرارة التي أعادت طرح السؤال الأخلاقي: هل يمكن للفن أن يتجاهل الدماء المسفوكة في غزة تحت ذريعة الحياد الفني؟

إسبانيا لم تكن وحدها؛ فإيرلندا وسلوفينيا وهولندا لوّحت هي الأخرى بخيار المقاطعة، في دلالة واضحة على أن الرأي العام الأوروبي بدأ يستعيد زمام المبادرة. الرسالة بسيطة ولكنها عميقة: لا منصة فنية لدولة متهمة بارتكاب إبادة جماعية، تجاوز عدد ضحاياها ستين ألف شخص، جلّهم من النساء والأطفال.

ما يثير السخرية المريرة هو التناقض الفاضح في المواقف. قبل عامين، أُقصيت روسيا من يوروفيجن بعد أيام من اجتياحها أوكرانيا، في حين يُسمح لإسرائيل بالمشاركة رغم استمرار قصف متواصل، تجويع جماعي، ومقتل مئات الصحافيين. أليس في ذلك ازدواجية مقيتة تكشف أن المبادئ لم تعد معياراً، بل هوية الفاعل؟
المسابقة التي يتابعها الملايين حول العالم ليست مجرد مهرجان أضواء وأغانٍ؛ إنها إحدى أدوات القوة الناعمة الأكثر تأثيراً. السماح لإسرائيل باعتلاء منصتها يعني توفير غطاء دعائي يجمّل صورة دولة تسعى إلى تبييض جرائمها عبر الموسيقى والاحتفالات.

تتقاطع الأنباء حول اتصالات غير رسمية أجراها المنظمون مع إسرائيل، لبحث انسحابها الطوعي أو مشاركتها تحت راية محايدة. لكن القرار المنتظر في ديسمبر المقبل لن يكون شأناً فنياً فحسب؛ إنه اختبار أخلاقي سيكشف إن كان يوروفيجن قادراً على الارتقاء إلى مستوى قيمه المعلنة: الحرية، السلام، والتنوع.

إنّ أصوات المقاطعة ليست نزوة عابرة، بل صرخة ضمير تعكس تحوّلاً عميقاً في الوعي العالمي. الشعوب لم تعد تقبل المقايضة بين موسيقى تُصدَّر كرمز للبهجة وواقع دموي يحاصر الأبرياء. والفنانون الذين يرفعون أصواتهم اليوم إنما يدركون أن صمتهم سيجعل منهم شركاء في التواطؤ.

إنّ المعركة ليست بين أغنية وأخرى، بل بين الحق في الحياة والحق في التجميل الدعائي. وما لم يضع القائمون على يوروفيجن حداً لهذا التناقض، فإنهم يخاطرون بتحويل المسابقة من مهرجان للفرح إلى ستار يخفي مأساة إنسانية.

الفن الحقيقي، في جوهره، رسالة حرية ونداء للكرامة الإنسانية. ومن واجبنا، كمثقفين ومواطنين عاديين، أن نذكّر دائماً بأن الأضواء لا يمكن أن تُطفئ صرخة المظلومين، وأن الموسيقى لا تُعزف فوق الركام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى