أخبار وطنية

جيل Z بين شرعية الغضب وهاجس توظيف الصراع تسخيرا – مصطفى المنوزي

أغلب التحليلات الجارية لاحتجاجات جيل Z تقدم نصف الحقيقة. صحيح أن هناك قوى سياسية وأمنية وحتى خارجية تسعى إلى استغلال هذه الموجات الاحتجاجية، لكن هذا لا ينفي شرعية المطالب ولا يطعن في صدقية الغضب الشعبي. فالنجاح في كشف المؤامرات لا يعني بالضرورة إبطال مبررات الاحتجاج.
إن الأجدر تحليله إذن هو: كيف تتحول المطالب المشروعة إلى أدوات في صراعات السلطة؟ وكيف يمكن تمييز الاحتجاج الحقيقي عن التوظيف أو الاستعمال والتسخير؟ هذه أسئلة أكثر عمقًا من مجرد اتهام الجميع بالخداع أو الاكتفاء بتفسير الأحداث وفق نظرية المؤامرة.
المستوى الأول في التحليل يهم الشرعية الاجتماعية والسيكولوجية للاحتجاج. فجيل Z ليس نسخة مكررة عن الأجيال السابقة؛ إنه جيل تربى في فضاء رقمي مفتوح، يقارن نفسه بأقرانه في العالم، ويقيس الحاضر والمستقبل بمعايير كونية. لذلك فإن مطالبه ليست طارئة ولا مفتعلة؛ بل نابعة من انسداد الأفق، هشاشة الواقع الاقتصادي، وانكسار الثقة في مؤسسات التمثيل السياسي. هنا تكمن صدقية الغضب: إحساس جماعي بغياب العدالة وتراجع الأمل.
أما المستوى الثاني فيتعلق بالتوظيف السياسي. لا شك أن كل حركة احتجاجية تُغري قوى مختلفة بمحاولة الركوب عليها أو استغلالها: أحزاب تسعى لاستعادة الشرعية، تيارات تبحث عن الانتشار، أجهزة أمنية تحاول توجيه الأحداث، وأحيانًا قوى خارجية تنفخ في النار. الخطر أن تنزلق الطاقة التحررية للاحتجاج إلى مجرد ورقة في لعبة موازين القوى، فيتحول “الغضب الأصيل” إلى “احتجاج مؤدلج”.
يبقى المستوى الثالث هو الأعمق: تفكيك السرديات المهيمنة. نظرية المؤامرة تبدو مغرية لأنها تقدم راحة فكرية: تفسير بسيط لعالم معقد، حيث الكل مُسيّر ولا وجود للفعل الذاتي. لكنها في الواقع تُقصي عنصر الفاعلية، أي القدرة على الفعل الجماعي والإبداع الذاتي للاحتجاج. الأجدر أن نسأل: لماذا يتحول فعل احتجاجي مشروع إلى أداة للتسخير؟ هل بسبب ضعف التنظيم الذاتي؟ أم بسبب هشاشة الوسائط الحزبية والنقابية التي عجزت عن تأطير السخط؟ أم لأن الدولة نفسها طورت استراتيجيات دقيقة لـ”تدبير الغضب” بدل الاستجابة لمطالبه؟
لهذا، فإن النقاش الحقيقي ليس في نفي المؤامرة أو إثباتها، بل في حماية شرعية المطالب من الاستنزاف. كيف يمكن أن نحفظ صدقية الغضب الشعبي من أن يُختزل في سجالات السلطة والمعارضة؟ وهل يملك جيل Z، بما لديه من أدوات رقمية وشبكية، القدرة على تفادي هذا التسخير، أم أنه يظل عرضة لإعادة التدوير داخل سرديات القوة القائمة؟
إن الجواب عن هذه الأسئلة لا يتطلب فقط نقد الخطاب الرسمي أو تفنيد السرديات المضادة، بل يستدعي تأسيس مسار بديل: تحويل الغضب إلى قوة اقتراحية، وتحصين الفعل الاحتجاجي بآليات التنظيم الذاتي، وبناء جسر بين الفضاء الرقمي والفضاء المجتمعي الواقعي. عندها فقط يمكن لجيل Z أن يحافظ على أصالة صوته، وأن يتجاوز فخ الاختزال في نظرية المؤامرة أو في لعبة السلطة.
غير أن المهم في آخر التحليل والمطا ، ومهما كانت الوسائل والخلفيات ، وجب التنبيه بأن التلكؤ في إرساء ضمانات عدم تكرار الإنتهاكات هي ما يمكن أن يؤرق الحقوقيين ، في ظل مؤشرات الاحتقان تجاه مقتضيات الانفلات ؛ مما قد يصعب تفعيل الحكامة الأمنية كأقوى توصية بلورتها هيئة الإنصاف والمصالحة ، فكيف يعقل لوم الأحزاب والحكومات ، والحال أن الشأن الأمني يكرس يوميا كمجال محفوظ ، مما يستدعي دعم مطلب الإنتقال الأمني على مستوى العقيدة ؛ والذي بدونه لن يحصل أي انتقال ، سياسيا كان أو ديموقراطيا حتى وبالأحرى !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى