توصل موقع تنوير من المفتش التربوي عبد النبي البدري بصفته باحثا ومهتما بالشأن التربوي برد على مقال “المدرسة الرائدة: جدل السياسة التعليمية” ننشره كما ورد رد على مقال “المدرسة الرائدة: جدل السياسة التعليمية”
أستاذي الكريم، عبد الرزاق بن شريج
أقدّر ما تضمنه مقالك من معطيات وإشارات، غير أن مقاربة تقييم السياسة التعليمية في المغرب تستدعي بعض الإضافات للتوضيح أكثر، استناداً إلى الإطار المرجعي لحكامة تدبير السياسات التربوية.
أولاً: المؤشرات الكمية لا تكفي
صحيح أنّ ارتفاع نسب النجاح في البكالوريا وتوسع المدارس الجماعاتية يقدّمان صورةً ظاهرية إيجابية، ويعكسان جهداً واضحاً في التخطيط الاستراتيجي وتحسين مؤشرات الولوج والتحصيل. لكن هذه الأرقام، على أهميتها، لا يمكن أن تُتَّخذ دليلاً كافياً على النجاعة التعليمية. فحكامة الجودة تتطلّب الربط بين هذه المؤشرات ونتائج التقييمات الوطنية والدولية مثل PISA و TIMSS، التي تكشف مستوى اكتساب الكفايات الأساسية والتعلمات الفعلية، وهو جوهر إصلاح المناهج. كما أن المدارس الجماعاتية—رغم هدفها المعلن في تقليص الفوارق القروية—تظل رهينة بتأطير تربوي كافٍ، وصيانة للبنية التحتية، وتطوير دائم لنموذجها البيداغوجي. يبقى السؤال الحاسم: ما الأثر الفعلي لارتفاع نسب النجاح وتزايد الولوج إلى هذه المؤسسات على المسار الأكاديمي والمهني للتلاميذ؟
ثانياً: التربية والتعليم وحدة لا فصل
أشرتَ في مقالك إلى أسبقية التربية على التعليم، وهي فكرة وجيهة من حيث إبراز البعد القيمي. غير أن الفصل بين “التعليم بلا تربية” و“التعليم” يخلق ثنائية منهجية غير دقيقة. فالتنمية البشرية المستدامة لا تتحقق إلا عبر مقاربة شمولية تدمج التربية على القيم والمواطنة داخل المحتوى المنهجي والممارسة الصفية معاً. التربية ليست سابقة أو لاحقة للتعليم، بل مكوّن أساسي في كل سيرورة تعليمية، ما يستدعي إعادة هندسة المناهج لتحقيق التوازن بين المعرفي والقيمي.
ثالثاً: السياسي والتقني… توزيع أدوار
أما الفصل الذي تناولته بين النقاش السياسي-الاستراتيجي والنقاش التقني، فهو في صميم حكامة السياسات العامة. فالتوجهات الكبرى ورسم الأولويات من اختصاص صانعي القرار السياسي، فيما يُعهد إلى الخبراء التقنيين بترجمة هذه التوجهات إلى برامج قابلة للتنفيذ. هذا ليس انتقاصاً من الفاعلين الميدانيين، بل توزيع للأدوار يرسخ الشفافية والمساءلة. ومع ذلك، تبقى فجوة التنفيذ—أي ضعف المواءمة بين الأهداف المعلنة والإمكانات التنفيذية على مستوى اللامركزية—أحد أبرز التحديات التي تفسر كثيراً من النتائج التي نراها اليوم.
خلاصة
لذلك، فإن تقييم السياسات التعليمية يحتاج إلى تجاوز منطق الكمّ إلى منطق الكيف، والانتقال من “حكامة الإجراءات” إلى “حكامة النتائج”. فالإصلاح لا يُقاس بعدد المدارس ولا بنسب النجاح وحدها، بل بما ينعكس فعلياً على جودة التعلمات وفرص المتعلمين في الحياة والمجتمع.