افتتاحية

جيل Z بين الاحتجاج و القمع و حقيقة “الهندسة من الخلف”و العودة ل 20 فبراير-عزيز الحنبلي

عزيز الحنبلي

خروج عشرات الشبان و الشابات  إلى شوارع مدن كبرى كالدار البيضاء والرباط وطنجة ومكناس، بدعوة من مجموعة رقمية ظهرت فجأة على تطبيق “ديسكورد” تحت اسم “جيل Z.. صوت شباب المغرب”، يقدم أعضاؤها انفسهم باعتبارهم من جيل زاد (Génération Z)، خلال أيام قليلة، استقطبت هذه المجموعة آلاف المتابعين، ورفعت شعارات اجتماعية صرفة: تحسين التعليم العمومي، تجويد الصحة، فتح آفاق التشغيل.

الشبان و الشابات بأعداد كبيرة من كلا الجنسين خرجو  إلى شوارع المدن الكبرى وهم يجسدون شكلا سلميا من أشكال الاحتجاج المشروعة ويرددون شعارات: من قبيل “حرية، كرامة، عدالة اجتماعية” و”الشعب يريد إسقاط الفساد”..

لكن، هذا الخروج طرح أكثر من علامة استفهام عند البعض خصوصا عند الذين يتبجحو ن ب “العام زين ” و بارقام حكومة اخنوش الوردية و يتجاهلون التحليل الملموس للواقع الملموس .

فرئيس الحكومة  اخنوش يملك ماكينة انتخابية كاسحة، يقود حكومة متهمة بخلط الأعمال بالحكم، ويحاول أن يُدير سردية “الإنجاز” وسط موجة غلاء خانقة واحتجاجات اجتماعية. هذا التناقض بين الرواية الرسمية وسردية الشارع يزيد من تعقيد المشهد. فالاحتجاجات، وإن رفعت شعارات اجتماعية مشروعة، سرعان ما تتحول إلى ورقة ضغط في لعبة السياسية .

إن الواقع الذي نمر منه اليوم لا يفسح، ولا يترك المجال للاختباء أو المناورات أو المزايدات، لا يفسح المجال للقول بأنني ضد… من أجل الضد، أو أعترض… من أجل الاعتراض، أو لا أتفق… لأنني لست معنيا، أو نحن مع… لأننا مع المبادرة… ربما خوفا من تكرار سيناريو 20 فبراير 2011، قررت الدولة المغربية مسبقا منع كل التظاهرات في البلاد ، بل ذهبت حتى إلى تعبئة الجمعيات وهيئات المحتمع المدني الموالية لها للتصدي لهذه الدينامية المتجددة.

في هذا الاطار تسائل البعض هل يعقل أن تُبنى حركة احتجاجية واسعة على تطبيق غامض، وبقيادة مجهولة الهوية؟

لا يمكن لأي متابع حصيف أن يغفل عن حقيقة مفادها أن ما نراه اليوم من تحركات شبابية تحت يافطة “جيل Z”  باعتباره “صوتاً جديداً” و ليسو وحدهم و ليس وليد لحظة عفوية، بل هو امتداد لوصفة قديمة للاجتجاجات يعاد تغليفها بألوان جديدة من خلال منصات التواصل الاجتماعي والتدوين وسيلة مثالية لمنح هذه التحركات واجهة شبابية لامعة،ولا يمكن ان تُخفي خلفها حسابات سياسية وطموحات سلطوية.

لكن الخطير في الامر هو التدخل الامني العنيف لمنع الوقفات والمسيرات الاحتجاجية، التي شهدتها  عدد من المدن المغربية مساء السبت 27 شتنبر 2025  و التي أسفرت عن توقيف عدد من النشطاء والمتظاهرين الذين خرجوا استجابة لدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي يومي 27 و28 شتنبر، فيما بات يعرف باحتجاجات “جيل Z”.

لم يكن غريباً أن تشهد العاصمة الرباط اعتقالات بالجملة في صفوف محتجي “جيل Z”، وسط حضور أمني كثيف. ولم يكن مفاجئاً أن تمنع السلطات بمدينة تيسة بإقليم تاونات الإعلام من تغطية وقفة احتجاجية دعت إليها “لجنة نداء الكرامة”. بل وصل الأمر إلى مصادرة معدات صحفيين و تفريق وقفة بالقوة.

هذه الوقائع تؤكد أن ما يجري ليس مجرد “احتجاج اجتماعي” بريء، بل ساحة اختبار مزدوجة للديمقراطية و حرية التعبير و الاحتجاج : فالدولة تختبر قدرتها على ضبط الشارع، والمهندسون الخفيون يختبرون قدرتهم على تعبئة الشباب عبر أدوات رقمية جديدة.

في النهاية، على الدولة المغربية  ان تفهم ، ان مطالب “جيل Z”  اجتماعية مشروعة و صرفة لتحسين التعليم العمومي، تجويد الصحة و فتح آفاق التشغيل، لكن الخطورة تكمن في قمع احتجاجات سلمية و  تحو يلها إلى أدوات في يد من يتقن لعبة الكواليس.وتعتبر ما يحدث اليوم ليس إلا مسرحية مبتذلة يُراد لها أن تبدو ثورة شبابية، بينما حقيقتها مجرد مناورة سياسية يقودها طامحون للسلطة، متخفون خلف جيل يعاني من البطالة واليأس. أما “المهندسون” الذين يحرّكون الخيوط من الظل، فهم لا يملكون الشجاعة للنزول إلى الميدان، بل يكتفون باستخدام الشباب كـ”وقود مجاني” لمعاركهم الخاسرة.وهنا يصبح “جيل Z” أكثر من مجرد “صوت شباب”، بل مجرد فصل جديد من مسرحية قديمة تُعاد كتابتها بوسائل عصرية تريد إرباك الدولة، وتسميم وعي الشباب، وفتح الطريق أمام أقلية من المغامرين الذين لم ولن يمثلوا يوماً صوت المغاربة الحقيقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى