بقلم الطالب الباحث في علم الاجتماع و العمل الاجتماعي: عبد الجليل لفغاني.
تقديم:
إن ملامح تغير المجتمع المغربي، اقاسمها الى مرحلتين، المرحلة الاولى: منذ حصول المغرب على الاستقلال، بدأت ملامحه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تعرف تحولات وتطورات تدريجية، وانعكست أساساً في ابتعاده النسبي عن طابعه الإسلامي المجتمعي، تحت تأثير الثقافة الاستعمارية وما رافقها من اتفاقيات ووثائق بين النخب المحلية والسلطات الاستعمارية. ويمكن اعتبار هذه المرحلة بمثابة “الملامح الأولى” التي ظل فيها الإسلام حاضراً بقوة ومؤطر للبنية القيمية والاجتماعية.
المرحلة الثانية: مع بداية الألفية الثالثة، والتي أعتبرها “الملامح الثانية” وانسلخ المجتمع المغربي ثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا في هذه الالفية الجديدة، وتحديداً ابتداءً من سنة 2000، شهد المجتمع المغربي تحولات بنيوية عميقة شملت مختلف المجالات: الاجتماعية، السياسية، الفكرية، الاقتصادية والدينية، حيث بدأت ملامح ما يمكن تسميته بـ”الإسلام العلماني” في الظهور، وهو توجه مستوحى من النماذج الغربية.
وقد تجسدت أولى بوادر هذا التحول مع صدور مدونة الأسرة سنة 2004، التي أعادت تنظيم العلاقات الأسرية ضمن إطار قانوني حداثي. ورغم مرور أكثر من عقدين على هذا الإصلاح، فإن فئة من المفكرين الحداثيين، ممن يُصنّفون ضمن التيار “العلماني الجديد”، ترى أن مدونة الأسرة لم تُحقق التغيير المنشود، لا فيما يتعلق بتمكين المرأة، ولا في ما يخص حماية حقوق الطفل، وهو ما يدفعنا للتساؤل حول فعالية هذا النموذج الإصلاحي وحدوده السوسيولوجية.
وقد أثار انتباهي في هذا السياق هو مفهوم “الإسلام العلماني”، كما تناوله الباحث السوسيولوجي المغربي عبد الصمد الديالمي في مقاله المعنون: “نحو إسلام علماني”، المنشور بجريدة “الأحداث المغربية” بتاريخ 30 ديسمبر 1998، حيث يدعو إلى إعادة قراءة النصوص الدينية وتأويلها بما يتناسب مع قيم الحداثة وحقوق الإنسان[1]
وما يؤكد الديالمي أن الإصلاح يجب أن يكون نابعاً من داخل المرجعية الإسلامية ذاتها، بما يراعي تطور السياقات الاجتماعية والتاريخية، لا أن يُفرض من الخارج.
كذلك يطرح الديالمي ضرورة الانتقال من الإسلام الفقهي إلى إسلام مدني قادر على التعايش مع مبادئ حقوق الإنسان والعقلانية.
وكما يرى أن من بين أسس هذا الإصلاح ضرورة فصل الدين عن الدولة، حتى لا تتحول الشريعة إلى أداة لتبرير السلطة السياسية، داعياً إلى أن يصبح التدين مسألة شخصية واختيارية، تُمارس بحرية، دون تدخل من المؤسسات الرسمية، بما يفتح المجال لتعددية دينية وفكرية[2].
وأتفق مع الديالمي حينما يُحذّر من استعمال الدين كوسيلة لتكريس السلطة، لأن في ذلك تحويلًا للدين من مرجعية روحية الاصلية إلى أداة إيديولوجية، تفقده معناه الإلهي وتهدد حياده القيمي. لكنني أختلف معه في مسألة جعل التدين خياراً فردياً بالكامل، وإذ أرى كا باحث في العلوم الاجتماعية أن الإسلام ليس فقط خيارًا ثقافيًا أو أسلوب حياة، بل هو دين سماوي قائم على التكليف الإلهي، والالتزام بأوامر الله ونواهيه ليس شأناً فردياً محضًا، بل هو جزء من الامتحان الإلهي للإنسان في الدنيا.
مثال على ذلك: (قوانين السير) التي تفرض القوانيين على السائقين و الراجليين.
وفي هذا الصدد، يحضرني قول كارل ماركس بأن “الدين أفيون الشعوب”، وهو تعبير يُفهم غالبًا في سياق نقد توظيف الدين لخدمة مصالح سياسية أو إيديولوجية[3]. فإذا استُخدم الدين من طرف الأفراد أو المؤسسات بطريقة منحرفة أو لتبرير سياسات معينة وتحقيق مصالح ذاتية، فإنه يفقد موضوعتيه ورسالته الروحية، ويتحوّل إلى أداة للتهدئة والتخدير الاجتماعي، بدل أن يكون قوة تحرّر ووعي. وهنا يفقد الدين شرعيته الإلهية والربانية، ويتحوّل إلى مجرد أداة للهيمنة الرمزية.
كما يطرح الباحث التونسي “عبد المجيد الشرفي” إشكالية في كتابه “الاسلام والحداثة” تتمحور على العلاقة بين الاسلام والتحديث، و يفتح باب تأويل النصوص الدينية بما يسمح بقيام علمانية اسلامية. وهذا ما حدث في دولة تونس، فهي لم تعد دولة اسلامية، وأصبحت دولة علمانية تؤمن بتعدد الاديان و الحرية الخاصة. وهذا الكتاب يُقدِّم المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي قراءة تأويلية للنصوص الدينية، تهدف إلى مواءمة الإسلام مع قيم الحداثة والعقلانية.
ويُركِّز الشرفي على ضرورة تجاوز التفسيرات التقليدية للنصوص، داعيًا إلى فهمٍ تاريخي وسياقي لها، بما يسمح بتطوير فقهٍ إسلامي يتماشى مع متطلبات العصر، على الرغم من أن الكتاب لا يستخدم مصطلح “علمانية إسلامية” بشكل صريح، إلا أن الشرفي يُشير إلى أهمية الفصل بين المجالين الديني والسياسي، مؤكدًا على أن الدين يجب أن يُفهم في سياقه التاريخي والاجتماعي، مما يُمهِّد الطريق لفهمٍ أكثر عقلانية ومرونة للإسلام في العصر الحديث[4].
وعلى العموم جعل التدين مسألة نسبية واختيارية بالكامل قد يؤدي إلى فوضى اجتماعية، حيث يتشكل كل فرد “دينه الخاص”، مما يُضعف وحدة الترابية و المرجعية القيمية داخل المجتمع ويهدد تماسكه الاجتماعي و الوطني.
المصادر:
1/ عبد الصمد الديالمي، نحو إسلام علماني، جريدة الأحداث المغربية، عدد 30 ديسمبر 1998.
2/ عبد المجيد الشرفي، كتاب الاسلام والحداثة، الدار التونسية للنشر 1991، الطبعة الثانية.
2/ Karl Marx, A Contribution to the Critique of Hegel’s Philosophy of Right
[1] عبد الصمد الديالمي، نحو إسلام علماني، جريدة الأحداث المغربية، عدد 30 ديسمبر 1998.
[2]مصر سابق، عبد الصمد الديالمي، نحو إسلام علماني، جريدة الأحداث المغربية، عدد 30 ديسمبر 1998.
[3]Karl Marx, A Contribution to the Critique of Hegel’s Philosophy of Right
[4]عبد المجيد الشرفي، كتاب، الاسلام والحداثة، الدار التونسية للنشر 1991، الطبعة الثانية.
زر الذهاب إلى الأعلى