دون أي تحامل أو مزايدة، يجب الإقرار بأن موجة الغلاء ورفع الدعم عن المحروقات وتحرير الأسعار ليست وليدة اليوم، بل تعود جذورها إلى عهد حكومة عبد الإله بنكيران، التي دشّنت سياسة التحرير وفتحت الباب أمام تقلبات السوق. غير أن حكومة عزيز أخنوش جاءت لتكمل الباقية، وتُمعن في الزيادات، حتى أصبح المواطن المغربي يئن تحت وطأة الأسعار الملتهبة والضرائب المتلاحقة.
يصدق في هذا المشهد المثل المغربي البليغ: كتعرف العلم؟ قال كنعرّف نزيد فيه، في إشارة إلى من وجد سياسةً مرهقة فأضاف إليها مزيداً من الأثقال بدل مراجعتها وتخفيف آثارها على المواطن المغربي.
منذ أن تولّت حكومة عزيز أخنوش مقاليد التسيير، لم يكد المواطن المغربي يلتقط أنفاسه حتى باغتته موجات متلاحقة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة.
حكومة رفعت شعار تستاهلو ماحسن، لكنها سرعان ما غرقت في قرارات أرهقت البلاد والعباد، وأفرغت جيوب المواطنين، حتى باتت الحصيلة ثقيلة، متشعبة المآلات، ومعبرة عن فشل بنيوي في إدارة الشأن العام.
المديونية وبيع الممتلكات العامة: أول ما يسجل في سجل هذه الحكومة هو الارتفاع القياسي في حجم ديون الدولة، حيث تضاعفت المديونية لتصل إلى مستويات خطيرة تنذر برهن مستقبل الأجيال القادمة.
ولم تكتف الحكومة بالاقتراض، بل لجأت إلى بيع ممتلكات الدولة عبر ما سمته تمويلاً مبتكراً، في خطوة اعتبرها كثيرون تخلياً صريحاً عن السيادة الاقتصادية.
الضرائب والعدالة الجبائية: بدل التخفيف من العبء الضريبي، رفعت حكومة تستاهلو ماحسن معدلات الضرائب عموماً، فأثقلت كاهل الأسر المغربية والشركات الصغرى، بينما خفّضت الضرائب على الشركات الكبرى والأعيان.
وهكذا تكشف غياب العدالة الجبائية وتكريس منطق الريع والفساد.
الأسعار والتضخم: شهدت الأسعار اضطراباً حاداً وغير مسبوق، إذ ارتفع التضخم وغلاء المواد الأساسية حتى أصبحت القفة اليومية عبئاً على الطبقة المتوسطة،
أما الطبقة الفقيرة فأصبحت بدون قفة نتيجة الغلاء الذي عمّ كل شيء.
وارتفعت أسعار المحروقات بلا توقف، في ظل استمرار تحرير السوق وعدم تدخل الدولة لحماية المستهلك،
بينما يتداول أن الحكومة تستعد لتحرير ثمن قنينة الغاز، ما سيزيد الأوضاع تفاقماً وتعقيداً.
الحقل التشريعي وفضائح الحكامة: في المجال التشريعي، مررت الحكومة قوانين لا تحظى بأي قبول شعبي، مثل تحديد سن اجتياز مباريات التعليم في ثلاثين سنة، وسحب مشروع قانون الإثراء غير المشروع،
وهو ما فتح الباب أمام اتساع رقعة الفساد وتضارب المصالح داخل مؤسسات الدولة.
وزاد المشهد قتامة بفضائح متتالية، كفضيحة امتحان المحاماة، وتصفية مؤسسة كنوبس، فضلاً عن فضائح مالية مدوية،
مثل سرقة سبعة عشر ملياراً ومئات المليارات الأخرى، وملفات مشبوهة داخل صندوق الضمان الاجتماعي CNSS.
الاقتصاد والإنتاج الوطني: اقتصادياً، عرفت البلاد ركوداً خطيراً، مئات الآلاف من الشركات أفلست، وارتفع معدل البطالة إلى مستويات مخيفة،
فيما تدهورت القدرة الشرائية لنحو ثمانين في المائة من الأسر المغربية.
تراجعت نسب الإنتاج الفلاحي والحيواني، وانهار الاكتفاء الذاتي،
فأصبحت البلاد تستورد الزيت والقمح والأغنام والعجول لبرازيلية، بعدما كانت تملك اكتفاءها الذاتي في العديد من القطاعات.
الأسواق والمضاربات: بلغت أسعار الخضر والفواكه واللحوم والأسماك والدواجن مستويات فاحشة، نتيجة المضاربات واحتكار السوق من قبل لوبيات نافذة.
كما ارتفعت أسعار الأسمدة والمواشي بشكل خيالي، مما عمّق أزمة الفلاحين الصغار ودفع بالكثيرين إلى مغادرة أراضيهم نحو المدن.
الوضع الاجتماعي المتأزم
ازدادت معدلات الفقر والبطالة والهجرة السرية بين الشباب، وارتفعت نسب الانتحار والطلاق والعنوسة،
فيما تدهورت الأوضاع المعيشية، مما ساهم في الاحتقان الاجتماعي،
ودفع سكان بعض الدواوير إلى الخروج في مسيرات احتجاجية على أوضاعهم المزرية، مثل فيگيگ و آيت بوكماز اقليم أزيلال وبوعروس بإقليم تاونات.
كل ذلك في ظل استمرار الحكومة في فرض ضرائب جديدة على أموال المواطنين وسحبها مباشرة من الحسابات البنكية،
في سابقة لم يعرفها المغرب من قبل.
التراجع السياسي والأخلاقي: تراجعت المرجعية الإسلامية في التشريعات، وظهرت كوارث في المدونة الجديدة للأسرة،
كما تورط بعض الوزراء في توظيف أقاربهم وأصدقائهم في مناصب عليا،
في الوقت الذي وزعت فيه الأموال على النقابات والمواقع والصحف والصفحات،
في محاولة لتلميع الصورة وتكميم الأصوات المنتقدة.
وفي ختام هذه الحصيلة المثقلة بالخيبات، برز جيل جديد من الشباب الواعي، خرج من رحم المعاناة، يحمل اسم جيل Z212،
ليعلن تمرّده الرقمي والفكري على واقع الإقصاء والفساد،
مؤكداً ميلاد وعي جماعي جديد لا يخاف من المواجهة ولا يقبل الوصاية،
جيل يقول كلمته بصدق، ويضع الوطن فوق كل الحسابات،
لقد حانت ساعة الصدق والمراجعة.
لا يمكن لمغرب يسكنه الأمل أن يستمر في نزيف التراجع والخذلان.
آن الأوان لإعادة الاعتبار للكرامة والعدالة والمواطنة الحقة.
فالوطن ليس عقاراً يُباع، ولا مؤسسة تُدار بالمضاربة،
بل روح تجمع أبناءه على كلمة سواء.