المغرب أمام تحدي استكمال الأوراش المؤهلة لاحتضان الكان والمونديال في ظل افتقار قطاع البناء إلى اليد العاملة

أحمد رباص ـ تنوير
استضافة الكان (2025) والمونديال (2030) تطلبت أوراشا ضخمة
تشمل أوراش كأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم 2030 في المغرب تجديد وبناء الملاعب، وتحسين البنية التحتية للفنادق والنقل (الطرقي والجوي والسككي)، وإعادة تهيئةالمناطق الحضرية، لا سيما في المدن المضيفة مثل طنجة ومراكش والرباط وأگادير. تهدف هذه المشاريع إلى الارتقاء بالمرافق الرياضية إلى المعايير الدولية، وزيادة سعتها الاستيعابية، وضمان تجربة مثالية للمشاهدين واللاعبين والزوار.
تهتم هذه الأوراش بالبنية التحتية الرياضية (الملاعب) من حيث التجديدات والتحديثات، حيث يجري حاليا تجديد وتحديث العديد من الملاعب، مثل الملعب الكبير بمراكش والملعب الكبير بأگادير، لتلبية متطلبات الاتحاد الأفريقي لكرة القدم والاتحاد الدولي لكرة القدم.
في هذا الإطار، أعيد بناء مجمع الأمير مولاي عبد الله الرياضي في الرباط لاستضافة مباريات رئيسية، بما فيها مباراتي الافتتاح والنهائي لكأس الأمم الأفريقية 2025، وسيُستخدم أيضا في كأس العالم 2030.
وتشمل الأعمال تحسين المدرجات، وإضافة سكاي بوكس ومناطق لكبار الشخصيات، وتحديث أنظمة الأمن، وتركيب إضاءة LED، وإعادة تصميم الملاعب.
في ما يتعلق بالبنية التحتية للنقل، يجري حاليا إعادة تصميم شبكة الطرق المحيطة بالملاعب، مع توسيعها، وإنشاء طرق جانبية، وبناء أنفاق لتحسين انسيابية حركة المرور.
ففي ما يخص النقل السككي، بدأ المغرب العمل على الخط السككي الحديد فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، والذي سيربط المدن المضيفة، مما يُحسّن الوصول والنقل للجماهير والفرق.
في الجانب الخاص بالنقل الجوي، من المقرر توسيع مطارات مثل مطار مراكش المنارة، مع إعادة تهيىة المحطات وبناء مرائب إضافية لاستيعاب حركة المرور المتزايدة.
أما أوراش البنيات التحتية والفندقبة والحضرية، فكان الهدف منها تطوير الفنادق حيث يجري حاليا تطوير البنية التحتية للفنادق، مع تجديد الفنادق القائمة وبناء مبانٍ جديدة لاستيعاب آلاف الزوار المتوقعين.
في هذا السياق، يشهد قطاع الفنادق بالرباط، على وجه الخصوص، توسعا ملحوظا لاستيعاب الزوار، حيث يتم تجديد المباني القائمة وتحويلها إلى فنادق.
وهناك اوراش مرتبطة بالبنية التحتية للاتصالات، من أهمها إطلاق الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات عملية منح تراخيص الجيل الخامس بهدف تغطية 70% من السكان بحلول عام 2030.
من أجل تحقيق التأهيل الحضري، تشهد مراكز المدن المضيفة، مثل طنجة، إعادة تطوير تهيئة الشوارع، حتى تكون جذابة للجماهير وعند حسن ظنهم.
في المرحلة الأولى (كأس الأمم الإفريقية 2025)، تركزت الإنشاءات على مواءمة الملاعب والبنية التحتية مع متطلبات هذه الدورة الإفريقية. وفي المرحلة الثانية (كأس العالم 2030)، المخطط لها في أفق عام 2030، استهدفت زيادة سعة بعض الملاعب واستكمال جميع مرافق كأس العالم، بما يتوافق مع معايير الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في المغرب.
لا ينكر إلا جاحد كون هذه المشاريع تراعي الجوانب البيئية الكفيلة بتحقيق التنمية المستدامة، مثل استخدام أنظمة إعادة تدوير المياه والإضاءة مع اقتصاد الطاقة.
نقص في اليد العاملة
بينما يستعد المغرب لاستضافة كأس الأمم الأفريقية 2025 وكأس العالم 2030، يواجه قطاع البناء أزمة غير مسبوقة. يؤدي النقص في العمالة المؤهلة إلى إبطاء مواقع البناء وزيادة التكاليف ويهدد العديد من الطموحات، كما قرأنا مؤخرا في مقال منشور على صفحات إحدى الجرائد الوطنية.
كتبت الجريدة أن قطاع البناء والأشغال العامة بمر بأزمة غير مسبوقة. بينما يشهد المغرب طفرة في مواقع البناء تحسبا لكأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم 2030، يحذر المهنيون من نقص حاد في العمالة المؤهلة.
هذا، وقد أشار مسؤول من الاتحاد الوطني للمنعشين العقاريين، المحسوب على الاتحاد العام لمقاولات المغرب، إلى النقص الكبير في رؤساء العمال والعاملين في طور التدريب. مما يؤثر بشكل كبير على النشاط العقاري. “تراجع إنتاج الوحدات السكنية بنحو 40%”، كما يعترف، موضحا أن مقاولات البناء العاملة في مشاريع عامة كبيرة تستحوذ على جزء كبير من الموارد البشرية المتاحة.
ويؤثر هذا التباطؤ بشكل مباشر على المنعشين العقاريين، الذين يكافحون من أجل الوفاء بالتزاماتهم تجاه شركائهم، وخاصة البنوك والمشترين. ويزداد الوضع خطورة لأنه يحدث في سياق ارتفاع أسعار مواد البناء، حسب نفس المصدر دائما.
وفي مواجهة ندرة اليد العاملة، تشهد الأجور ارتفاعا مذهلا. “واليوم، يتلقى البناء ذو الخبرة ما يصل إلى 300 درهم يوميا، والمتدرب 200 درهم”، يحدد المهني المومئ إليه آنفا. ويضيف أنه “بالرغم من مستويات الأجور هذه، فمن الصعب بشكل متزايد العثور على العمال المتاحين”. تلك مفارقة توضح عمق الأزمة، في قطاع يعتمد تاريخيا على العمال الشباب ومعظمهم من المناطق القروية.
من المتوقع أن يتفاقم هذا النقص في السنوات المقبلة. وهنا تجتمع عدة عوامل: تكاثر مشاريع البنية التحتية التي أطلقتها المملكة، والتحسن المتوقع في الموسم الفلاحي الذي يستقطب بعض الشباب من المناطق القروية، واستمرار إحجام شباب سكان المدن عن ممارسة المهن التي تعتبر صعبة وقليلة القيمة.
“وإذا لم يتم القيام بأي شيء، فإن المغرب يخاطر بأن يجد نفسه في عنق الزجاجة الذي من شأنه أن يضعف طموحاته”، يحذر نفس المسؤول، داعيا إلى التدخل السريع من قبل الحكومة وأصحاب المصلحة المعنيين.
وفي مواجهة حجم المشكلة، يطرح بعض المهنيين طريقا واحدا: الاستعانة بالشباب من جنوب الصحراء الكبرى المقيمين بالفعل في المغرب. “يعيش الآلاف منهم بيننا. لماذا لا نقدم لهم التدريب والوضع القانوني والضمانات الاجتماعية؟ وهذا من شأنه أن يساعد في تلبية الطلب المتزايد على العمالة”، يقترح المتحدث.
تلك فكرة يمكن أن تساعد في حل العجز البنيوي، إذا ما أتت أكلها، خاصة وأن التحول الديموغرافي في المغرب يشير إلى ندرة دائمة في القوى العاملة الوطنية في هذا القطاع.
وفقا لمذكرة حديثة صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، من المتوقع أن يشهد نشاط البناء نموا في الربع الثالث من عام 2025، مدفوعا بالدينامية المتوقعة في مجال الهندسة المدنية وأنشطة البناء المتخصصة. ومن ناحية أخرى، لا مناص من أن يواجه تشييد المباني تباطؤا.
وتؤكد نفس المذكرة أنه يتم الحكم على دفتر تحملات مقاولات البناء بأنه “عادي”وأن نسبة استغلال الطاقة الإنتاجية وصل في المتوسط إلى 72%”. ومع ذلك، ما تزال مسألة توفر اليد العاملة تشكل تحديا كبيرا.