مند الاستقلال عرف المغرب حركات شبابية ديمقراطية وتقدمية تحررية مناضلة من اجل مغرب أفضل مغرب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، من شباب المقاومة ضد الاستعمار وشباب انتفاضة 23 مارس مرورا بشباب حركة 20 فبراير الى شباب جيل Z.
فرغم الأزمات، ما تزال الأرض المغربية قادرة على إنتاج أجيال مناضلة، حاملة لبدائل جديدة. والمقاومة الشبابية التي يشهدها المغرب الان يمكن ان تكون نقطة انطلاق نحو مغرب أفضل؛ مغرب الديمقراطية والكرامة والعدالة والمساواة.
لكل جيل زمنه ولغته وما بتعلق بدلك من تحولات قيمية وثقافية. في العصر الحديث، يعد كارل مانهايم صاحب التعريف الأبرز للجيل، فهو يعرف الجيل بانه الزمر من العمر نفسه التي تشغل وضعية متجانسة في العملية التاريخية والاجتماعية.
يرتبط الانتقال الديمقراطي بطبيعة القيم والاتجاهات والأفكار التي تكتسبها الأجيال الجديدة والتي تساهم في إنطلاق عملية التحول الديمقراطي وتواصلها حتى تصل الى مرحلة الترسيخ والاستقرار .
فالاجيال المتعاقبة في المغرب ومند الاستقلال ظلت دائمًا في قلب دينامية التغيير الديمقراطي والاجتماعي.
من المقاومة إلى الوعي الجماعي: جيل 23 مارس ومسار التأسيس النضالي للشباب المغربي.
جيل الحركة الوطنية لعب دورًا مركزيًا في مواجهة الاستعمار، عبر تأسيس خلايا المقاومة، والانخراط في المظاهرات والإضرابات الطلابية.
أما جيل انتفاضة 23 مارس 1965 فقد عاش في مرحلة تأسيسية دقيقة من تاريخ المغرب، ارتبطت بمسار بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال. غير أنّ هذا الجيل وجد نفسه وسط صراع سياسي محتدم بين القصر من جهة، والحركة الوطنية والمعارضة من جهة أخرى.
في هذا السياق، فجّرت مذكرة وزير التعليم يوسف بلعباس، القاضية بمنع التلاميذ الذين بلغوا سن السادسة عشرة من تكرار قسم السنة الثالثة ثانوي (المعادلة للإعدادي حاليًا)، واحدة من أهم الانتفاضات الشعبية في ستينيات المغرب. فقد خرج آلاف التلاميذ والطلبة إلى الشوارع احتجاجًا على سياسات تعليمية واجتماعية اعتُبرت مجحفة وإقصائية، ليتحوّل الحراك إلى مواجهة مفتوحة مع الدولة، انتهت بقمع دموي ترك بصمته العميقة في الذاكرة الجماعية.
ورغم القمع، دشّنت هذه الانتفاضة وعيًا سياسيًا جديدًا لدى الشباب المغربي، وفتحت الباب أمام بروز الحركة التلاميذية كفاعل حقيقي في نهاية الستينيات. هذه الحركة لم تكن مجرد رد فعل اجتماعي، بل عرفت دينامية ثقافية وفكرية وسياسية واسعة، تجلّت في تنظيم محاضرات، وعروض، ولقاءات أدبية وفكرية، فضلًا عن إحياء الذكريات النضالية مثل ذكرى انتفاضة 23 مارس وذكرى استشهاد المهدي بن بركة وغيرهما.
لقد نُظر إلى جيل 23 مارس باعتباره جيلًا متمرّدًا، واعتُبر بحق “جيل التضحية والمواجهة الجذرية”، إذ قدّم نموذجًا صلبًا في مقاومة السلطوية والدفاع عن حق الشباب في التعليم والكرامة.
الحركة التلاميذية والطلابية بين القمع والانفتاح: مسار جيل سنوات الرصاص والانتقال الديمقراطي.
وإذا كان جيل 23 مارس قد فتح الباب أمام إدماج الشباب في الفعل السياسي الاحتجاجي، فإن جيل الثمانينات سيجد نفسه في سياق مختلف، مطبوع بسنوات الرصاص، حيث ستتبلور دينامية جديدة للحركة التلاميذية والطلابية، ولكن ضمن شروط أشد قسوة من القمع والمطاردة، مع بروز حساسيات فكرية يسارية وراديكالية أكثر تنظيمًا.
جيل الثمانينات والتسعينات وهو جيل سنوات الجمر والرصاص عرف القمع السياسي ؛ الاعتقالات ، التضييق على حرية التعبير وعاصر مرحلة التقويم الهيكلي وما بعدها.
اشكال النضال كانت في الشارع والجامعةعبر المظاهرات، الإضرابات، الحركة الطلابية (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب)، وفي الفضاء الثقافي الكتاب، المجلات، الجمعيات الثقافية والمسرحيات كانت منابر للتعبير. ).
هدا الجيل كان يتحرك في إطار الأحزاب الوطنية والتقدمية واليسارية و النقابات، والجمعيات السرية أو العلنية. وكانت روح التضامن قوية، سواء في السجون أو في الشارع أو في الجامعات. التضحية كانت جماعية، مما عزز الإحساس بالانتماء لمصير مشترك.
شهد المغرب في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات تحولات نوعية على مستوى البنية الإعلامية والثقافية مع دخول القنوات الفضائية، التي وسّعت من أفق التلقي لدى الشباب المغربي وفتحت أمامه نافذة جديدة على العالم الخارجي. ومع نهاية التسعينيات بدأ بروز الإنترنت كأداة تواصل بديلة عبر المنتديات وغرف الدردشة، غير أنها لم تكن قد تحولت بعد إلى رافعة مركزية في التعبئة السياسية أو النقاش العمومي.
في هذا السياق، انخرط الشباب المغربي ضمن دينامية الإصلاحات السياسية والدستورية التي قادت إلى تجربة حكومة التناوب التوافقي (1998)، باعتبارها لحظة مفصلية في مسار ما سُمّي بالانتقال الديمقراطي. هذه التجربة بعثت آمالاً عريضة في إمكانية القطع مع ماضي السلطوية والانفتاح على عهد جديد من الديمقراطية التشاركية. غير أن هذه الآمال سرعان ما اصطدمت بواقع الإحباط، الذي عبّر عنه بوضوح المرحوم عبد الرحمان اليوسفي في ندوة بروكسيل الشهيرة، ثم على المستوى السياسي عبر ما اصطلح عليه آنذاك بـ”غياب المنهجية الديمقراطية”.
وستضيع فرصة أخرى من “الفرص الضائعة” الدي قال بها المرحوم القائد والمقاوم سي محمد بنسعيد ايت ايدر ، إذ تم إجهاض لحظة إصلاحية كان يمكن أن تشكّل نقطة تحول تاريخي نحو ترسيخ أسس ديمقراطية حقيقية. هذا الإحباط السياسي سيترك بصمته العميقة على جيل التسعينيات وبداية الألفية، الذي وجد نفسه بين إرث سنوات الرصاص الثقيلة من جهة، وبين وعود انتقال ديمقراطي لم يتحقق من جهة أخرى.
حركة 20 فبراير وما بعدها: الأمل، الكرامة، والاحتجاج المستمر
بعد ضياع فرصة اخري في بناء عدالة انتقالية حقيقية في بداية العهد الجديد، وما كان يُفترض أن يشكّل مدخلًا لتشييد دولة ديمقراطية قائمة على المحاسبة وجبر الضرر وسن دستور ديمقراطي يمكن من عدم تكرار سنوات الرصاص، برزت جيل حركة 20 فبراير حمل معه دينامية سياسية جديدة، ربطت بين القضاء على الفساد وبين الإصلاح الدستوري كشرط لبناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية.
لقد شكلت حركة 20 فبراير كحركة شبابية هوية جيلية فريدة للأفراد الدين عاصروا هده الاحداث وتشكل وعيهم السياسي والثقافي في ظلها وقد شاركت قطاعات واسعة من هدا الجيل في الحراك السياسي .
لقد كانت حركة 20 فبراير نهضة سياسية للحظة تاريخية قاد فيها الشباب الشارع المغربي .وكانت محطة جد مهمة في تاريخ الحركات الاجتماعية بالمغرب؛ كسرت حاجز الخوف، وظهر جيل وطني ديمقراطي جديد حركهم مطالب الديمقراطية، والكرامة و الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، والشغل ومحاربة الفساد…
حركة 20 فبراير كانت ايضا بداية “انعتاق تاريخي” يمثل بداية تحوّل اجتماعي وسياسي في المغرب، قائم على رفض النماذج الحتمية والمحافظة. يسلط النص الضوء على دور الشباب والشابات كمحرك رئيسي للتغيير؛ حراك يمزج بين الأمل ؛ كمشروع قابل للانجاز لم ينجز بعد ،والواقعية السياسية، ويراهن على “اللا محتمل” الذي قد يؤدي إلى تحولات مجتمعية غير متوقعة ولكن ممكنة لإعادة تصور المستقبل الديمقراطي للمغرب.
بعد حركة 20 فبراير استمر الحراك الشبابي بنفس المطالب المرتبطة بالعدالة الاجتماعية، الكرامة، وحق المشاركة في التنمية، لكنها اكتسبت أدوات جديدة عبر الفضاء الرقمي ندكر منها :
– حراك الريف (2016–2017) الدي انطلق بعد وفاة البائع محسن فكري في الحسيمة، احتجاجًا على الفساد والتهميش والتنمية غير المتكافئة. شارك فيه آلاف الشباب مطالبين بالعدالة الاجتماعية والكرامة.و شكل نموذجًا للاحتجاج الشبكي والرقمي، حيث لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا حاسمًا في تعبئة الجماهير.
– حراك جرادة (2017–2018) اندلع احتجاجًا على وفاة عامل تحت ركام منجم الفحم، مطالبًا بالعدالة الاجتماعية وفرص الشغل والتنمية المحلية.الشباب كان الفاعل الأساسي في تنظيم الاحتجاجات، رغم قمع السلطات في بعض الأحيان.
– انتفاضات العطش التي شهدتها عدة مناطق مختلفة مثل تازة، الراشدية، ومناطق جنوبية ،احتجاجات على ندرة المياه وانعدام البنيات التحتية. الشباب قاد هذه الاحتجاجات مطالبًا بالكرامة الأساسية وحق المواطنين في الخدمات العمومية.
الجيل الرقمي وصوت العدالة الاجتماعية: الشباب المغربي في زمن الإحباط والأمل.
يعيش المغرب هده الأيام على إيقاع حراك شبابي جديد يقوده جيل جديد من الحركات الاجتماعية يتنمي إلى جيل Z، يحمل شعلة الأمل والوطنية في سياق اجتماعي وسياسي يطغى عليه الإحباط وفقدان الثقة، و تتجلى أبرز ملامحه في تدهور الخدمات العمومية من شغل وتعليم وصحة ،و تراجع الحريات الفردية والجماعية، واتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية.
معدل البطالة في المغرب بلغ نهاية سنة 2024 نحو 13.3% من مجموع القوى النشيطة، و16.9% في المدن ،و 36.7% وسط الشباب (15-24 سنة). و 20% بين خريجي الجامعات،
في هدا الوضع الاجتماعي المتوثر بسبب الاختلالات الاقتصادية، والاجتماعية، والحقوقية،رفع جيل Z مطالب الشعب المغربي بالإصلاح والعدالة والكرامة الإنسانية؛ تعليم عمومي مجاني وجيد للجميع ، صحة عمومية قوية ومتاحة للجميع ، محاربة الفساد استقلال القضاء ونزاهة الانتخابات وحرية التعبير والاعلام ومحاربة الاحتكار والمطالبة بالعيش الكريم.
لقد أفرزت احتجاجات هذا الجيل دينامية اجتماعية جديدة، اتخذت أشكالاً متنوعة من التظاهر الميداني إلى الحملات الرقمية، وأثارت نقاشاً عميقاً حول العدالة الاجتماعية، تكافؤ الفرص، والحق في الكرامة.
نحن امام جيل وُلد في التسعينيات وبداية الألفية، وترعرع في سياق تحولات تكنولوجية وسياسية عميقة،؛ يتميز بارتباطه الوثيق بالفضاء الرقمي، وبقدرة عالية على التعبئة عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
الجيل الجديد ظهر مع المواطنة الرقمية، كقدرة على الانخراط الإيجابي، النقدي والمسؤول في البيئة الرقمية بممارسات تحترم الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان. وكفضاء جديد لصون الحقوق وحماية الهوية الوطنية والمشاركة الفاعلة في الشأن العام. والفضاء الرقمي هوامتدادًا للفضاء العام في تكامل إيجابي. وابدع رقمنة سلمية تضغط من أجل التغيير.
وبدلًا من الإنصات لصوت الشباب، ووضع خارطة طريق للإصلاح الاجتماعي، تؤسس لعقد اجتماعي جديد قوامه الكرامة والعدالة يُدمج الشباب في صنع القرار ، عوض تهميشهم واقصائهم ، اختارت الدولة والحكومة مواجهة المطالب المواطِنة للشباب بمقار أمنية وقمعية،إعتقالات والمتابعات في حق الشابات والشباب المحتج، بدل اتخاذ إجراءات سياسية فورية لخلق مناخ سياسي يجيب على المطالب العادلة والمشروعة لعامة الشعب
ان المقاربة المواطنة تتطلب ايقاف المتابعات القضائية، والاعتقالات واطلاق سراح كافة المعتقلين ، ووقف المقاربة الأمنية في التعاطي مع الاحتجاج والتظاهر السلمي ورفض الانزلاق إلى العنف أو التخريب.
والعمل على إلى خلق مبادرة سياسية وطنية من قلب المجتمع ومع الشباب لتحقيق مطالبهم العادلة والمشروعة.
من الذاكرة الديمقراطية إلى الوعي الرقمي: تفاعل الأجيال في بناء مستقبل المغرب.
الجيل الجديد الدي يحمل مشعل النضال الان هو جزء من جيل عالمي نشأ في عالم كامل الرقمنة: الهواتف الذكية، الذكاء الاصطناعي، التعليم عن بُعد، الواقع الافتراضي. يستعمل التكنولوجيا كأداة احتجاجية وإبداعية. ويتشارك مع أجيال العالم في الميل إلى الفورية والسرعة في الحصول على المعلومات الثقة في المنصات الرقمية أكثر من المؤسسات التقليدية و الإيمان بقدرة الفعل الفردي الرقمي على إحداث التغيير.
نحن امام جيل تَشكَّل وعيه في عالم مفتوح وسريع التغير. خلال سبعة أيام فقط، انتقل هؤلاء الشباب من فضاء التواصل الافتراضي إلى الشارع، ليعلنوا عن تحول جذري في أساليب التعبير والاحتجاج والمطالبة بالحقوق.
احتجاجات جيل Z لم تكن مجرد غضب عابر، بل لحظة وعي جماعي كشفت عن أزمة عميقة في منظومة الحكم والتواصل بالمغرب، وأعلنت عن ميلاد جيل جديد يطالب بدولة تُصغي لا تُؤمِن فقط بالأمن، بل بالسياسة والحوار والمشاركة
جيل حول الطاقة الافتراضية إلى قوة ميدانية منظمة وسلمية، تعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، يتعامل مباشرة مع الواقع بلغته الخاصة. ولا يخاطب الدولة بمنطق الخضوع أو الخوف، بل بمنطق المواطنة والمشاركة.
كسر احتكار الخطاب وفرض لغته ومفرداته وأسئلته الجديدة على الفضاء العام، وزرع الأمل في التغيير، و أيقظ الإحساس بأن المستقبل ما زال ممكناً، وأن الشباب قادرون على صياغته بالفعل لا بالانتظار، وأعاد تعريف السياسة.
في بداية الاجتجاجات تكلم الأمن وصمت السياسة تاركة المجال الى المقاربة الأمنية، وهو ما يتعارض مع مطالب جيل نشأ على حرية التعبير والتعددية والانفتاح.
إن استعمال أدوات القمع التقليدية ضد تعبيرٍ رقميٍّ سلميٍّ هو عنف ضد المستقبل نفسه، ويزيد من حدة الاحتقان، ويُغذّي فقدان الثقة .
احتجاجات جيل Z ليست موجة غضب عابرة، بل علامة على تحوّل بنيوي في الوعي السياسي المغربي.
نحن امام مشروع سياسي قيمي يعيد تعريف السلطة ذاتها ويسائل الدولة من منطلق المواطنة؛ ومن منطلق القيم . فلا يمكن تجديد الدولة من الداخل وجعلها أقرب إلى المواطن وأكثر عدلاً ونجاعة بدون بحث عن أفق سياسي جديد.
التحوّل من وعي احتجاجي إلى وعي اقتراحي، ومن التواصل الرقمي إلى فعل سياسي مواطن جديد ، هناك حاجة لبناء جسور جديدة بين الذاكرة الديمقراطية والوعي الجيلي الجديد ، لإعادة وصل السياسة بالمجتمع .
ان القوى الديمقراطية والبسارية المناضلة السياسية والمدنية والحقوقية التي راكمت الأجيال السابقة عبر نضالات طويلة من أجل الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتملك ذاكرة الصراع ضد الاستبداد، وتجارب تنظيمية ، مطلوب منها التجديد الفكري وانفتاح الهياكل الحزبية أمام الكفاءات الشابة و الحضور في الفضاء الرقمي،والتفاعل مع الحملات الشبابية الرقمية كأشكال جديدة من الحضور السياسي، فتح النقاشات الحزبية على المنصات الرقمية
القوى الوطنية الديمقراطية والبسارية المناضلة اليوم أمام امتحان تاريخي:لتجديد أدواتها وخطابها لتصبح جسرًا بين الماضي والمستقبل،ومرافقة ولادة وعي جديد بالديمقراطية والمواطنة،لبناء مستقبل سياسي للمغرب على تفاعل الأجيال.