مجتمع

المغرب بين ممرات الاقتصاد وممرات الذاكرة: من التطبيع إلى المونديال، في الحاجة إلى حياد نشط وسردية أمن إنساني

الأستاذ مصطفى المنوزي
الحلقة الرابعة
منذ الإعلان عن الممر الاقتصادي الهندي – الشرق الأوسط – أوروبا (IMEC) في قمة مجموعة العشرين بالهند في شتنبر 2023، بدا أن المنطقة بصدد دخول مرحلة جديدة من إعادة هندسة الجغرافيا السياسية على قاعدة اقتصادية أكثر منها عسكرية. الممر الذي رُوّج له كرمز “للتكامل والتنمية”، يخفي خلفه صراعًا استراتيجيًا على النفوذ والممرات والمشروعية بين القوى الإقليمية. فالمشروع، الذي يربط الهند بالخليج العربي مرورًا بإسرائيل وصولًا إلى أوروبا، يضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات، لكنه يستبعد تركيا وقطر وإيران، أي المحور التقليدي الذي طالما وظّف الملف الفلسطيني كرمز للممانعة. هذه الاستراتيجية لم تكن بريئة، بل كانت محاولة أميركية–هندية لخلق تحالف اقتصادي–سياسي موازن لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وموجّه أيضًا لتطويق النفوذ الإيراني والتركي في الشرق الأوسط.
غير أن عملية 7 أكتوبر 2023 («طوفان الأقصى») جاءت كـ”ردٍّ سردي مضاد”، أوقف مؤقتًا مسار التطبيع الخليجي الإسرائيلي، وذكّر العالم بأن الاستقرار الاقتصادي لا يمكن أن يُبنى فوق هشاشة العدالة التاريخية. فالممر الاقتصادي بدا، من منظور محور المقاومة، ممرًا لتطبيع بلا ذاكرة، في حين جاءت العملية لتعيد فرض القضية الفلسطينية في قلب الخريطة الدولية، ولو بثمن باهظ إنسانيًا وأمنيًا.
1. من الممر الاقتصادي إلى ممر المقاومة
التحليل الجيوسياسي يُظهر أن الممر الهندي – الإسرائيلي لم يكن مجرد مشروع تنمية، بل مشروع لإعادة توزيع الشرعية الإقليمية. إذ يسعى إلى نقل مركز الثقل من “محور الممانعة” إلى “محور الاندماج الاقتصادي”، ومن الجغرافيا العقائدية إلى الجغرافيا المالية. وهنا يتضح موقف كل من إيران وقطر وتركيا:
فإيران رأت في المشروع تطويقًا جغرافيًا واقتصاديًا لدورها، فدعمت “استراتيجية الإرباك” عبر وكلائها الإقليميين لإعادة فرض حضورها في أي معادلة جديدة.
في حين اعادت قطر، التي فقدت زخمها بعد المصالحة الخليجية، توظيف دورها الوسيط عبر القضية الفلسطينية، لتستعيد مركزها كـ«بوابة تفاوضية» لا يمكن تجاوزها.
أما تركيا، التي استُبعدت من الممر رغم موقعها الجغرافي المحوري، فقد عادت لتوظف خطابها الإسلامي القومي ضد إسرائيل، مستعيدة رمزية “الزعامة الأخلاقية” للعالم الإسلامي.
وبهذا المعنى، لم تكن 7 أكتوبر مجرد عملية عسكرية، بل كانت إشارة استراتيجية إلى حدود التحالفات الجديدة وإلى عودة “الذاكرة السياسية” في مواجهة “الاقتصاد السياسي”.
2. موقع المغرب: بين الحياد النشط والسيادة الاستراتيجية
فوسط هذا الزلزال الجيوسياسي، برز المغرب كفاعل من طراز مختلف. فالمملكة – كما يحلو للعقل الدبلوماسي الأمني تسميتها – ليست طرفًا في الممر الهندي–الإسرائيلي، لكنها أيضًا ليست جزءً من محور المقاومة؛ لذلك اختارت الرباط منذ 2020 مسار التطبيع برؤية سيادية، قوامها البراغماتية دون التفريط في الثوابت المرعية، فقد زعمت انها ربطت التطبيع باعتراف أميركي بمغربية الصحراء، لكنها في الوقت نفسه احتفظت بمسافة رمزية من إسرائيل، ورفضت الانخراط في أي تحالف يستهدف أطرافًا عربية أو إسلامية .
(يتبع)
مصطفى المنوزي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى