في مساء يفيض بالسكينة وتلك الرهافة التي يحملها الأدب حين يقترب من الروح، احتضن المركز الثقافي إكليل بتطوان لقاءً أدبياً نظمته جمعية درر للتنمية والثقافة ضمن صالونها الثقافي، احتفاءً بتوقيع رواية “هسيس الغرباء” للكاتب والروائي عبد الحميد البجوقي، بحضور محبي السرد والحكاية والفكر الإنساني.
افتتحت الأمسية رئيسة الجمعية نجلاء التهامي الوزاني بكلمة ترحيبية دافئة، أبرزت فيها دور الفعل الثقافي في حفظ الذاكرة المشتركة وتوسيع مساحات الحوار. بعد ذلك، قدم الروائي والسيناريست البشير الدامون قراءة نقدية معمقة للرواية، حملت الكثير من التأمل والإنصات للنبرة الداخلية للنص.
رأى الدامون أن “هسيس الغرباء” ليست مجرد رواية، بل نداء إنساني يخرج من عالم يترنح تحت وطأة الانهيار، حيث يظل الحلم آخر ما يمكن التمسك به حين تضيق الأرض وتضيع المعاني. وصف العمل بأنه نصّ مقاوم، يتكئ على جماليات السرد دون أن يفرط في رسائله الإنسانية، وأن أثره يستمر بعد القراءة لأنه يفتح جرح السؤال لا باب الإجابة.
تحكي الرواية عن امرأة اختطفت ثم حوصرت داخل صمت الأب؛ قصة تختزل حيوات كثيرة تُحاكم فيها المرأة باسم العرف والقبيلة. الرواية تضع القارئ أمام هشاشة الإنسان، أمام الغربة، والضياع، والهجرة، والبحث عن وطن قد لا يكون جغرافيا فقط، بل أمناً داخلياً مفقوداً.
في حديثه، توقف عبد الحميد البجوقي عند الفصل التاسع تحديداً، حيث يتقاطع الجرح الشخصي بالجرح الجماعي من خلال شخصيتي أنطونيو وأمير، الجلاد والضحية، يتحركان في الفضاء ذاته بحثاً عن خلاص مؤجل. ترك الكاتب النهاية مفتوحة، لأن اليقين في هذا العالم ترف لا تمنحه الحياة بسهولة؛ لكنه وضع خيط أمل حين قرر أنطونيو السفر مع أمير… كأن النجاة ممكنة ولو بجرأة خطوة واحدة.
فتح اللقاء باب النقاش، فجاءت الأسئلة عميقة ومتشابكة:
عن مصير نورية التي تتوارى فجأة،
عن الهسيس الذي يرافق الأرواح الغريبة،
عن إمكان تحويل الرواية إلى صور تتحرك على الشاشة،وعن الإنسان الذي يهرب من نفسه أكثر مما يهرب من العالم.
وفي الختام، اصطف الحاضرون لتوقيع الرواية، في لحظة احتفائية جمعت بين المؤلف وقرائه، وبين النص وأولئك الذين سيحملونه إلى دوائر جديدة من الحياة والقراءة.
نعيمة ايت إبراهيم
تطوان