ثقافة و فن

شرعنة التطبيع في البحث العلمي… تساؤلات من كلية الحقوق بالجديدة

عبد الحق غريب

موقفي من التطبيع مع الكيان الصهيوني موقف مبدئي راسخ وثابت، لا تحكمه اعتبارات شخصية ولا مصالح ظرفية. ولهذا، فإن انخراط صديق أو أي كان في أي شكل من أشكال التطبيع، تحتم علي التعبير عن رأيي بصراحة واحترام، لأن الصداقة أو غيرها لا تعني التغاضي عن الانحراف عن المبادئ.

وانسجاما مع هذا المبدأ، لم أتردد في انتقاد عضو في المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي شارك إلى جانب ممثلين عن الكيان الصهيوني في معرض “أليوتيس”، وعضو آخر في اللجنة الإدارية قام بزيارة إلى إسرائيل، دون أن أولي أي اعتبار للعواقب أو لانعكاسات ذلك على علاقة رفاقي بالأجهزة الوطنية للنقابة مع بعض المكونات… فموقفي من التطبيع يسمو على كل اعتبار شخصي أو تنظيمي، لأنه مسألة ضمير قبل أن يكون خيارا سياسيا أو نقابيا.

في هذا السياق، وأنا أقرأ إعلانا عن مناقشة أطروحة دكتوراه عنوانها : “الأبعاد الإستراتيجية للعلاقات المغربية الإسرائيلية وتداعياتها على المستويين الداخلي والإقليمي”، فوجئت بكون موضوع البحث ينخرط مباشرة في صلب التطبيع الأكاديمي مع الكيان الغاصب، يشرف عليه أستاذ باحث بكلية الحقوق بالجديدة، تجمعني به علاقة طيبة.

هذا المعطى يثير قلقا مضاعفا، ليس فقط بسبب طبيعة الموضوع، بل لسببين أساسيين :

أولا، موقع الأستاذ كمدير مركز دراسات الدكتوراه بكلية الحقوق، وهو موقع جد حساس يفترض فيه أن يكون حارسا يقظا ضد أي اختراق تطبيعي، لا أن يساهم في شرعنته، ولو عن غير قصد. فضلا عن كونه سبق أن اضطلع بمسؤوليات داخل النقابة الوطنية للتعليم العالي، وشارك في مؤتمرها الأخير الذي صادق على مناهضة كل أشكال التطبيع، كما نصت على ذلك المادة 5 من القانون الأساسي.

وثانيا، الخطورة لا تكمن في عنوان الأطروحة بذاته، بل في المنهج والموقف الذي قد يتبناه الباحث والمؤطر. فإذا ما قُدمت تلك العلاقات في الأطروحة كخيار إستراتيجي إيجابي وتسعى إلى تبريرها أو تسويقها أكاديميا، فإنها تتحول إلى أداة للتطبيع المعرفي، الذي يُعد أخطر من التطبيع السياسي، لأنه يضفي شرعية فكرية على واقع مرفوض شعبيا وأخلاقيا… فالجامعة ليست فضاء لتجميل الخيارات السياسية أو تبريرها، بل منبر للنقد والتحليل الموضوعي، وحصن لحماية القيم الوطنية والإنسانية.

إن تحويل التطبيع إلى موضوع بحثي دون مساءلته أخلاقيا وسياسيا، هو شكل من أشكال التطبيع الأخطر، لأنه يتسلل عبر بوابة البحث العلمي، ويمنح شرعية أكاديمية لممارسات مرفوضة. ومن المؤسف أن يكون المشرف على هذا البحث من يتحمل مسؤولية حساسة في البحث العلمي، كان الأولى به أن يكون في طليعة المدافعين عن نقاء الجامعة من أي اختراق تطبيعي.

يا سادة، الجامعة ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل قلعة للقيم الحرة والمواقف المبدئية. ولا يجوز أن تتحول إلى منصة لتسويق التطبيع، تحت أي غطاء كان.

لهذا، فإن جميع مكونات الجامعة مدعوة اليوم، إلى يقظة فكرية ومبدئية حقيقية، وإلى الدفاع عن استقلالية الجامعة في وجه كل محاولات الاختراق، مهما كانت ناعمة أو مغلفة بخطاب أكاديمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى