أحمد بوفروج – تنوير
كلّ عام، يعود النقاش في المغرب حول الساعة الإضافية كعقارب لا تعرف الاستقرار. فمنذ أن قررت الحكومة اعتماد التوقيت الصيفي الدائم (غرينيتش +1)، انقسم الشارع المغربي بين مؤيد يرى في الخطوة انسجامًا مع شركاء أوروبا الاقتصاديين، ورافض يعتبرها عبئًا يوميًا على حياة المواطنين وصحتهم النفسية والجسدية.
قرار اقتصادي أم خلل زمني؟
قرار إضافة ساعة إلى التوقيت القانوني لم يكن وليد الصدفة. فبحسب المبررات الرسمية، الهدف هو ترشيد استهلاك الطاقة وتحسين الأداء الاقتصادي من خلال التوافق الزمني مع أوروبا، خصوصًا مع فرنسا وإسبانيا، اللتين تُعدّان من أهم شركاء المملكة تجاريًا.
لكن مع مرور السنوات، بدا أن هذا “الانسجام الزمني” لم يتحقق على أرض الواقع. فالتلاميذ يخرجون إلى مدارسهم قبل طلوع الشمس، والعائلات تعيش على إيقاع غير طبيعي، فيما تتزايد التساؤلات:
هل ربح الاقتصاد ساعةً وخسر المواطن نهارَه؟
أوروبا تتراجع.. والمغرب يواصل
في الوقت الذي بدأت فيه عدة دول أوروبية تناقش إلغاء العمل بالساعة الإضافية، وتطالب المفوضية الأوروبية بتوحيد التوقيت وجعله دائمًا دون تقديم أو تأخير، يواصل المغرب اعتماد نظام التوقيت الصيفي طوال السنة تقريبًا، مع استثناءٍ وحيد خلال شهر رمضان، حين يعود إلى التوقيت الطبيعي (غرينيتش).
بلدان مثل ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا تشهد جدلاً متصاعدًا حول جدوى هذا النظام، بعدما أكدت دراسات أن فوائده الاقتصادية محدودة مقارنة بأضراره الصحية والنفسية. لذلك، تميل بعض الدول إلى العودة إلى توقيتها الطبيعي انسجامًا مع إيقاع الإنسان والبيئة.
المواطن بين التعب والساعة الصناعية
في المغرب، تتّفق معظم الأصوات الرافضة على أن الساعة الإضافية لا تراعي الإيقاع البيولوجي للإنسان.
النوم يتأخر، الأطفال يستيقظون قبل الفجر، والموظفون يعانون من إرهاق مزمن في الصباح الباكر.
دراسات طبية عديدة حذّرت من أن التلاعب بالتوقيت ولو بستين دقيقة فقط قد يسبب اضطرابًا في الساعة البيولوجية، ويؤثر على التركيز والمزاج ونسبة الحوادث.
ورغم ذلك، تواصل الحكومة التمسك بموقفها، معتبرة أن الفوائد الاقتصادية أهم من هذه التغيرات السلوكية. غير أن الواقع اليومي يُظهر أن المواطن هو من يدفع ثمن “التوقيت الاقتصادي” بصحته وراحته.
بين منطق الاقتصاد وحق الإنسان
الساعة الإضافية، بحسب خبراء الاقتصاد، تُنعش الحركة التجارية والسياحية، خصوصًا في المدن الكبرى، حيث يمتد النشاط إلى ساعات متأخرة من المساء.
لكن بالمقابل، يرى كثيرون أن ميزان الربح والخسارة يميل ضد المواطن البسيط، الذي لا يعنيه تأخر غروب الشمس بقدر ما يعنيه انتظام نوم أطفاله وسلامة تنقلهم في الصباح.
المنفعة التجارية لا يمكن أن تكون مبررًا دائمًا لتغيير نمط حياة أمة بأكملها، خصوصًا حين يتعلق الأمر بصحة الإنسان وراحته النفسية.
هل حان وقت العودة إلى الزمن الطبيعي؟
اليوم، ومع التوجه العالمي نحو مراجعة نظام التوقيت الصيفي، يبرز سؤال منطقي في المغرب:
هل حان الوقت لإعادة النظر في هذا القرار؟
هل من الحكمة أن نُبقي على نظام لم تثبت فعاليته الاقتصادية مقابل رفض شعبي واسع؟
العودة إلى التوقيت الطبيعي (غرينيتش) ليست مجرد تعديلٍ في عقارب الساعة، بل تصحيح لإيقاع الحياة، وعودة للانسجام مع الطبيعة والشمس والإحساس الزمني السليم.
ربما آن الأوان لأن يُعاد فتح هذا الملف على طاولة النقاش الوطني والعلمي، بعيدًا عن التبريرات التقنية الجامدة.
فالزمن ليس مجرد أداة تنظيم، بل هو عنصر من عناصر الراحة الإنسانية والتوازن الاجتماعي.
الساعة الإضافية أضيفت إلى الزمن، لكنها ـ في نظر كثيرين ـ انتزعت من راحة الإنسان جزءًا من سكينته اليومية.
وبين ساعة الاقتصاد وساعة الإنسان، يبدو أن المغاربة اختاروا بوضوح أي الزمنين أقرب إلى قلوبهم.