بمناسبة الذكرى الستين لاختطاف المهدي بنبركة: صحافيان فرنسيان يبددان ما يكتنف القضية من غموض

أحمد رباص ـ تنوير
ربما يكون من قبيل التقصير من جانبي إن لم أكتب، بهذه المناسبة، عن الشهيد المهدي بنبركة الذي أسر لي الدكتور المعطي منجب أن أصوله تعود إلى الزيايدة، قبيلتنا المنتمية إلى إقليم بنسليمان.
ذلك ما أثبته الأخ المعطي منجب عندما قال لي إنه استقبل ذات يوم البشير بنبركة، نجل عريس الشهداء، في منزل العائلة بدوارنا العوانس وكان دليله إلى إحياء صلة الرحم بجذور العائلة بدوار القدامرة المجاور لنا، والذي يستمد اسمه من سيدي عمر القدميري، الولي الصالح الذي كان ضريحه محجا سنويا لكل دواوير قبيلة الزيايدة في موسم يدوم أسبوعا كاملا تتخلله أعمال تجارية وأنشطة ترفيهية تتربع على عرشها التبوريدة.
تم اختطاف المهدي بن بركة يوم 29 أكتوبر 1965 من أمام مقهى ليب بباريس، وقد كان حينذاك شخصية بارزة في الحركة المناهضة للاستعمار، وللحكم الفردي في المغرب.
وبينما تحاول العدالة الفرنسية منذ سنوات عديدة تسليط الضوء على هذه القضية، يستحضر كتاب حديث اختفاءه الذي تم تنفيذه على يد عملاء مغاربة بمساعدة بلطجية باريسيين، وبدعم من المخابرات الإسرائيلية.
من اختطف المهدي بن بركة في ذلك اليوم ومن ذلك المكان؟ لم تنجح العدالة ولا وسائل الإعلام في تسمية فعلة أو مرتكبي اختفاء هذا المعارض الشرس الذي لم يتم العثور على جثته لحد الساعة.
يذهب الصحفيان إلى أنهما أوضحا هذه القضية أخيرا في عمل حديث بعنوان “قضية بن بركة: نهاية الأسرار” (منشورات غراسيه).
هكذا تمكن ستيفن سميث، المتخصص في إفريقيا، ورونين بيرجمان، المشتغل لفائدة صحيفة (نيويورك تايمز) ومؤلف العديد من الكتب حول الأجهزة السرية، من الوصول إلى “الأرشيفات السرية”، ولا سيما الإسرائيلية، لإعادة تركيب مشاهد اختفاء ووفاة المهدي ساعة بساعة، وتحديد سلسلة المسؤوليات.
كان المهدي (45 عاما) شخصية بارزة في الحركة المناهضة للاستعمار، وكان على موعد في مقهى ليب في باريس مع ثلاثة أشخاص: فيليب بيرنييه، صحفي، وجورج فرانجو، مخرج أفلام، وجورج فيجون، منتج. وقد خدعوه وأوهموه بأن موضوع هذا اللقاء توقيع عقد لإنتاج فيلم بعنوان “كفى” عن النضالات المناهضة للاستعمار.
تم اختطافه وهو يغادر المقهى، قبل أن يتم إخفاؤه وقتله بغمس رأسه في حوض استحمام مملوء بالماء، كما يقول ستيفن سميث ورونين بيرجمان في كتابهما المشترك.
لم يتم العثور على جثته منذ ذلك الحين وإلى حدود الساعة. ويشير المؤلفان، بناء على الشهادات، إلى أنه كان من الممكن أن يُدفن في إحدى الغابات بضواحي باريس.
وفقا لستيفن سميث ورونان بيرجمان، تم هذا الاختفاء من خلال عملية نفذها عملاء مغاربة ساعدهم بلطجية باريسيون، بدعم من المخابرات الإسرائيلية وتواطؤ كبار المسؤولين الفرنسيين، الأمر الذي أثار غضب الرئيس آنذاك الجنرال ديغول.
وكانت المحاكمة الأولى في عام 1967 قد أثبتت بالفعل أن عملية الاختطاف تم التخطيط لها من قبل المخابرات المغربية بالتواطؤ مع ضباط الشرطة ورجال العصابات الفرنسيين. لكن الأمر لم يتم توضيحه بشكل كامل.
التحقيق، الذي تم تقديمه على أنه الأقدم في فرنسا، ليس مغلقا.
في يوليوز، أجرى قاضي التحقيق مقابلة مع نجل عريس الشهداء، بشير بنبركة، الذي قال إنه يأمل في تحقيق المزيد من “التقدم”.
وألقى بشير بنبركة كلمة العام الماضي بمناسبة الذكرى الـ59 لاختفاء والده، عبارة عن رسالة مفتوحة إلى ملك المغرب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قام بعد ذلك بزيارة إلى المملكة الشريفة. قام آنذاك بجرد “العقبات الموضوعة من قبل الدولة” التي منعت قضاة التحقيق المنوط بهم تقديم إجابات على “البحث المشروع عن الحقيقة”.
كانت قضية بن بركة قد أدت بالفعل إلى نشر كتاب هذا العام في فرنسا، وهو عبارة عن قصة مصورة بتوقيع الصحفي دافيد سيرفيناي ورسام الكاريكاتير جاك رينال.
أثناء مقابلة أجرتها معه قناة (فرانس 24)، أكد دافيد سيرفيناي على أهمية رفع السرية عن وثائق أجهزة المخابرات الأمريكية والفرنسية والمغربية، معتبرا أنها تحتوي بالضرورة على “عدد معين من الإجابات على الألغاز التي لا تزال تحيط بقضية بنبركة”.


