الحنبلي عزيز
وجّه الملك محمد السادس، مساء الجمعة، خطابًا إلى الشعب المغربي أعلن فيه أنّ ملف الصحراء يدخل “فتحًا جديدًا” في مسار تثبيت مغربية الصحراء والاتجاه نحو الطيّ النهائي للنزاع المفتعل، على أساس حلٍّ توافقي يقوم على مبادرة الحكم الذاتي. وجاء الخطاب متزامنًا مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء والذكرى السبعين للاستقلال، بما يضفي على الموقف الرسمي رمزيةً تاريخيةً مضاعفة.
و اعتبر الملك أنّ القرار الأخير لمجلس الأمن يمثّل منعطفًا فاصلاً في تاريخ المغرب الحديث، مؤكّدًا أنّ المرحلة المقبلة تؤسّس لـ“وقت المغرب الموحّد من طنجة إلى لكويرة”، في كنف احترام الحقوق والحدود التاريخية للمملكة. وأشار إلى الانتقال من “مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير” في قضية الوحدة الترابية، لافتًا إلى أنّ الدينامية التي أُطلقت خلال السنوات الأخيرة بدأت تُترجم مكتسباتٍ ملموسة.
و أبرز الخطاب أنّ ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باتت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي الإطار الوحيد لحل النزاع، وأنّ الاعتراف بالسيادة الاقتصادية للمغرب على أقاليمه الجنوبية شهد توسعًا لافتًا، مع قرارات قوى اقتصادية كبرى—منها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي—بتشجيع الاستثمار والتبادل مع هذه الأقاليم. واعتبر أنّ هذه الدينامية تؤهّل الجنوب المغربي ليكون قطبًا للتنمية ومحورًا اقتصاديًا في محيطه الجهوي، بما في ذلك منطقة الساحل والصحراء.
وفي ضوء القرار الأممي الأخير، أعلن الملك أنّ المغرب سيقوم بتحيين مبادرة الحكم الذاتي وتفصيلها وتقديمها للأمم المتحدة كأساسٍ وحيد للتفاوض، باعتبارها “الحل الواقعي والقابل للتطبيق”.
و وجّه الملك الشكر إلى الدول التي أسهمت في هذا التحوّل عبر مواقف بنّاءة ومساعٍ دؤوبة لنصرة الحق والشرعية، مع تخصيص إشادة بالولايات المتحدة الأمريكية وجهود رئيسها دونالد ترامب، وبأدوار بريطانيا وإسبانيا وفرنسا، إلى جانب دولٍ عربية وإفريقية شقيقة ومختلف الدول التي تدعم مبادرة الحكم الذاتي. وشدّد على أنّ المغرب لا ينظر إلى هذه التطورات بمنطق الانتصار ولا يسعى إلى تأجيج الخلافات، بل يحرص على حلّ “لا غالب فيه ولا مغلوب” يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.
و تضمّن الخطاب نداءً صادقًا إلى المغاربة في مخيمات تندوف لاغتنام “الفرصة التاريخية” للالتحاق بأهلهم والمساهمة عبر الحكم الذاتي في تدبير شؤونهم المحلية وتنمية وطنهم ضمن المغرب الموحّد. وجدّد الملك، بصفته ضامنًا لحقوق المواطنين وحرياتهم، التأكيد على المساواة بين جميع المغاربة دون تمييز.
وفي الإطار نفسه، دعا الملك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى “حوارٍ أخوي صادق” لتجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة قائمة على الثقة وحسن الجوار، مع التأكيد على الالتزام بإحياء الاتحاد المغاربي على أساس الاحترام المتبادل والتعاون والتكامل بين دوله الخمس.
كما ثمّن الملك ما تعرفه الأقاليم الجنوبية من تنمية شاملة وأمن واستقرار بفضل تضحيات جميع المغاربة، ولا سيما ساكنة الجنوب التي جددت تشبثها بالمقدسات والوحدة الوطنية والترابية. كما نوه بجهود الدبلوماسية الرسمية والحزبية والبرلمانية ومختلف المؤسسات الوطنية من أجل الطي النهائي للملف.
وبمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، استحضر الملك بتقدير تضحيات القوات المسلحة الملكية والأجهزة الأمنية وعائلاتهم عبر خمسين سنة في الدفاع عن وحدة الوطن، مترحمًا على أرواح الملك الراحل الحسن الثاني وكل شهداء الوطن.
في الاخير يرسم الخطاب ملامح مرحلة حسمٍ أممي عنوانها جعل مبادرة الحكم الذاتي المرجع الوحيد للتفاوض، وتثبيت الشراكات الاقتصادية والقانونية في الأقاليم الجنوبية، مع إبقاء اليد ممدودة للحوار الإقليمي والانخراط في حلّ توافقي ينهي النزاع ويصون كرامة جميع الأطراف ضمن أفق مغربي موحّد وتنميةٍ متصاعدة جنوبًا.