اقتصاد

الأقاليم الجنوبية قطب استثماري استراتيجي جديد في المغرب

أحمد رباص ـ تنوير
باعتبارها أرضية صلبة تنطلق منها الطموحات الملكية إلى لتنمية العادلة والمتكاملة، تعمل الأقاليم الجنوبية الآن على ترسيخ نفسها كقطب استثماري استراتيجي على المستوى الوطني. ومن خلال هيكلة المشاريع في مجالات الطاقة والبنية التحتية والصناعة الزراعية والتكوين، تعزز هذه المناطق دورها كقوة دافعة إقليمية للمغرب الناشئ، مما يوضح نجاح نموذج التنمية القائم على تنمية الأراضي العامة. والترسيخ الترايي للمشاريع العمومية الكبرى.
ما فتئت الأقاليم الجنوبية تؤكد عاماً بعد عام على مكانتها كقطب استثماري استراتيجي في سياسة التنمية الإقلمية للمملكة. وتشكل أقاليم المملكة هذه اليوم وعاءً لهيكلة المشاريع التي تعكس التنفيذ الملموس للمبادئ التوجيهية الملكية العليا لصالح التنمية العادلة والمتكاملة. بشكل ملموس، في البنية التحتية والخدمات الأساسية، من المقرر الشروع في تشغيل الشركات الجهوية متعددة الخدمات في الجهات الثلاثة بالجنوب المغربي– العيون – الساقية الحمراء، الداخلة – واد الذهب، كلميم – واد نون– قبل نهاية العام الحالي. وستحل هذه الهياكل الجديدة محل السلطات الحالية وأصحاب الامتيازات لضمان الإدارة الحديثة والموحدة لخدمات الماء والكهرباء والصرف الصحي على المستوى الجهوي.
تتجلى جهود الاستثمار العمومي أيضا في المجال الهيدروليكي. ففي الداخلة، على سبيل المثال، يجري تنفيذ مشروع متكامل لتحلية مياه البحر لأغراض الري بتكلفة 2.5 مليار درهم، بما في ذلك محطة لتحلية المياه، ومزرعة رياح بقدرة 40 ميجاوات، وشبكة ري تزيد مساحتها عن 5000 هكتار. وفي كلميم، يوفر مشروع آخر لتحلية المياه، تقدر تكلفته بـ 2.03 مليار درهم، قدرة 47 مليون متر مكعب سنويا لتوفير الماء الصالح للشرب وللزراعة.
في جهة العيون-الساقية الحمراء، يقوم عملاق صناعة الفوسفاط، مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، بتنفيذ مشروعين رئيسيين: إنشاء مغسلة العيون التي تبلغ نسبة إنجازها حالياً حوالي 88%، إنشاء الميناء الفوسفاطي بالعيون، الذي من المقرر أن يتم تشغيله هذا العام بالذات. وسيكون لهذه المشاريع الاستراتيجية الفضل في تعزيز القدرات اللوجستية والصناعية للمنطقة وتنمية مواردها الطبيعية.
في مجال التكوين والتوظيف، تضم جهة العيون – الساقية الحمراء بالفعل مدينة المهن والكفاءات، في حين سيتم تشغيل مدينتنا المهم والكفاءات الخائنين بجهتي الداخلة – واد الذهب وگلميم – واد نون في عام 2026. وتقدم هذه المنصات الجهوية التكوين المتكيف مع الاحتياجات الاقتصادية المحلية، لا سيما في المهن المرتبطة بالطاقات المتجددة والخدمات اللوجستية والصناعة الزراعية.
وسوف تمتد الأشغال العمومية في هذه الجهات أيضا إلى مجال الصحة، مع النشر التدريجي للمجموعات الصحية الجهوية، وهي بنية جديدة للحكامة الإستشفائية، التي ستهتم بشكل خاص بالجهات الجنوبية الثلاثة.
وعندما يتعلق الأمر بالطاقة، فإن الأقاليم الجنوبية تعمل على ترسيخ مكانتها باعتبارها أداة رئيسية لاستراتيجية الطاقة الوطنية. في إطار خارطة الطريق بقيادة مازين (· الوكالة المغربية للطاقة المستدامة) سوف تستضيف هذه الجهات جزء كبيرا من المشاريع المرتبطة بالهيدروجين الأخضر، باستثمارات إجمالية تقدر بأكثر من 370 مليار درهم. هذه الاستثمارات، وهي جزء من “عرض المغرب”، تضع الجهات الجنوبية كمركز طاقي قاري في المستقبل.
ولكن رغم هذا التقدم، تظل حصة الاستثمارات العمومية المخصصة لهذه الجهات أقل من 3% من الإجمالي الوطني. الوضع الذي يعزز دعوة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في خطاب العرش الذي ألقاء يوم 29 يوليوز 2025، إلى إطلاق جيل جديد من برامج التنمية الجهوية المتكاملة، على أساس تعزيز الخصوصيات المحلية وتعزيز التماسك الجهوي.
كما تم تأكيد دينامية التنمية في الأقاليم الجنوبية من خلال قراءة أحدث البيانات حول تعبئة الوعاءات العقارية العامة المخصصة للاستثمار. وفي الواقع، تسجل هذه الجهات تركيزا ملحوظا للمشاريع ذات القيمة المضافة العالية، مدعومة بسياسة عقارية إرادوية وزيادة مشاركة المؤسسات العمومية. وهكذا فإن جهة العيون-الساقية الحمراء تهيمن إلى حد كبير على المؤشرات. وفي النصف الأول من عام 2025، عبأت إدارة املاك الدولة ما يقرب من 16423 هكتار لتنفيذ 41 مشروعا استثماريا، بمبلغ إجمالي قدره 8.02 مليار درهم، مما يسمح بخلق 1308 فرص عمل. ويركز قطاع الطاقة أكثر من 97% من المساحة المعبأة، المخصصة لتركيب ثلاث مزارع للرياح: واحدة في العيون (2.5 مليار درهم) واثنتان في بوجدور (4.35 مليار درهم).
وتعد الصناعة الزراعية والخدمات أيضًا من بين القطاعات الديناميكية، حيث استحوذت هذه المنطقة على 75.9% من المساحة الوطنية المخصصة للصناعة الزراعية خلال نفس الفترة، مما يؤكد مكانتها كمركز للتجهيز والخدمات اللوجستية في الجنوب.
تعمل جهة الداخلة-واد الذهب على تعزيز مكانتها كمركز اقتصادي ناشئ، حيث استفادت من 40 مشروعا استثماريا، تمتد على مساحة 893 هكتار، بميزانية إجمالية قدرها 1.425 مليار درهم، وتوفر 2105 فرصة شغل مباشرة. واستأثر قطاع التعدين في هذه الجهة بتعبئة 83% من المساحة، في حين استفاد قطاعا الخدمات والسياحة من الوظائف والاستثمارات. كما تعد الطاقة والصناعة الزراعية والصحة والتعليم من بين القطاعات المدعومة. وتأتي هذه الاستثمارات امتدادا لتعبئة 29.580 هكتار في عام 2024، مخصصة لمشاريع متكاملة ذات قيمة مضافة عالية، 87% منها تتعلق بقطاع الطاقة.
وأبانت جهة كلميم-واد نون أيضا عن تصاعد في القوة. ففي عام 2025، تمت تعبئة حوالي 341 هكتار لثمانية مشاريع بقيمة إجمالية قدرها 1.34 مليار درهم استثماري وخلق 314 فرصة شغل. وفي عام 2024، استفادت المنطقة بالفعل من 9 مشاريع تغطي مساحة 273 هكتار، بتكلفة 8.92 مليار درهم و1204 فرصة شغل. كما نالت قطاعات الطاقة والصناعة والتعدين نصيبها من الاهتمام وظهرت أكثر دينامية، واستفادت معا من جميع الوعاءات العقارية المعبأة تقريبا. ويعكس هذا التوجه بوضوح رغبة الدولة في ترسيخ هذه الجهة بشكل مستدام في الاستراتيجية الوطنية لتنويع الطاقة والصناعة.
ولم يتم استبعاد القطاعين الاجتماعي والحرفي. وفي العيون، قامت إدارة املاك الدولة بتعبئة 56 هكتار لتوسيع منطقة النشاط الحرفي، باستثمار 152 مليون درهم وخلق 100 فرصة شغل. ويستفيد الإسكان أيضا من الزخم الملحوظ، بميزانية قدرها 1.44 مليار درهم للنصف الأول من عام 2025، في حين ما تزال الوعاءات العقارية المخصصة للتكوين والصحة رهينة بالبنية التحتية العمومية الجهوية الجديدة.
ويظهر التوزيع الوطني للعقارات المعبأة أن الجهات الجنوبية الثلاثة تركز جزء كبيرا من الاستثمار: أكثر من 50% من إجمالي المساحة المخصصة لمشاريع الطاقة تقع في هذه الجهات، وتتصدرها العيون-الساقية الحمراء (54%)، تليها كلميم-واد نون (38%)، والداخلة:واد الذهب (7%). ويبلغ إجمالي هذه المشاريع ما يقرب من 8.5 مليار درهم من الاستثمارات وأكثر من 460 فرصة شغل، مما يعكس الاندماج التدريجي للجنوب في مشاريع الطاقة الوطنية الكبرى.
وبالتالي، لم تعد الأقاليم الجنوبية مقتصرة على دور هامشي، بل تؤكد نفسها كأقطاب هيكلية للاقتصاد الوطني، وتوضح الطاقة والصناعة الزراعية والسياحة والتكوين حول المشاريع ذات التأثير الجهوي القوي. ويوضح هذا الصعود في القوة نجاح نموذج التنمية المحدد الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس، والذي يقوم على التعبئة الرشيدة لأراضي الدولة وإنشاء نسيج اقتصادي إقليمي متكامل ومستدام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى