وجهة نظر

القرار 2797.. بداية مغرب الجهات القوية -عبد الرزاق بن شريج

     القرار الأممي يفتح مرحلة جديدة تفرض مراجعة الدستور وتجديد مناهج العمل المؤسساتي بما في ذلك العمل الحزبي والنقابي في أفق بناء مغرب الجهات القوية

أكد قرار مجلس الأمن رقم 2797 الصادر في 31 أكتوبر 2025 أن مقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية هو الحل الواقعي والوحيد لقضية الصحراء. وهو اعتراف دولي غير مسبوق يُتوّج عقوداً من الجهد الدبلوماسي المغربي، ويؤشر لبداية مرحلة جديدة في مسار الدولة والمجتمع، عنوانها تجديد التفكير المؤسساتي والسياسي بما يتناسب مع هذا التحول التاريخي.

لقد خاض المغرب خلال السنوات الماضية تجربة الجهوية المتقدمة التي نص عليها دستور 2011 في فصله 136، باعتبارها نموذجاً للامركزية والديمقراطية المحلية. غير أن التجربة العملية ظلت دون مستوى الطموح، إذ بقيت العديد من الجهات محدودة الصلاحيات والفعل، تنتظر تفويضاً من المركز بدل أن تمارس سلطاتها الذاتية كما خُطط لها في القانون التنظيمي رقم 111.14.

واليوم، ومع اعتراف المنتظم الدولي بمشروعية الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، أصبح من الضروري أن تعيد الدولة ومؤسساتها الدستورية النظر في بنيتها وأدوارها، من أجل الانتقال من مرحلة “الجهوية المتقدمة” إلى مرحلة الجهوية الموسعة والحكم الذاتي. ولن يتحقق هذا الانتقال إلا من خلال مراجعة دستورية واضحة تحدد صلاحيات الجهة واستقلالها المالي والإداري، وتمنحها حق المبادرة الفعلية في التنمية والتخطيط، ضمن إطار تضامني يربط بين مختلف جهات المملكة.

كما أن هذا التحول يفرض على الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية أن تجدد مناهج عملها لتشتغل بمنطق اللاتمركز، بحيث تصبح الجهة فضاء الفعل السياسي والنقابي الحقيقي، لا مجرد امتداد للمكاتب المركزية. فالأجهزة الوطنية ينبغي أن تركز على القضايا المشتركة ذات البعد الوطني، بينما تتحمل الهياكل الجهوية مسؤولية التفاعل اليومي مع المواطنين والملفات المحلية.

إن ما بعد 31 أكتوبر 2025 ليس امتداداً لما قبله. فالقرار الأممي لم يكتفِ بتأكيد شرعية الموقف المغربي، بل حمّل المملكة مسؤولية داخلية مضاعفة لتجديد مؤسساتها وتحديث آليات اشتغالها. فنجاح تجربة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية لن يكتمل إلا بتقوية باقي الجهات وتوسيع صلاحياتها ضمن رؤية وطنية موحدة قوامها العدالة المجالية والمشاركة الفعلية في القرار العمومي.

لقد حان الوقت ليفكر المغرب بمنهجية جديدة تُعيد توزيع السلطة والثقة بين المركز والجهات، وتجعل من التنظيمات السياسية والنقابية فاعلاً ميدانياً حقيقياً لا مجرد هياكل بيروقراطية للتنسيق. فمغرب اليوم هو مغرب الجهات القوية والمؤسسات المتجددة، مغرب الحكم الذاتي في الجنوب والجهوية الموسعة في الشمال والشرق والغرب، مغرب التفكير الجديد لمستقبل جديد.

عبد الرزاق بن شريج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى