يعد عبد السلام المودن أحد أبرز منظري الثورة في حركة 23 مارس، وهو أحد المؤسسين للحركة، تم اعتقاله وتعريضه لمختلف أشكال التعذيب في المخافر السرية، وحكم عليه بالسجن 32 سنة نافذة، قضى منها 18 سنة، قبل أن يستفيد، مع غالبية معتقلي اليسار، من عفو ملكي سنة 1989.
وظل عبد السلام المودن من داخل السجن أو من خارجه، يكتب ويحاضر في سبيل الثورة الوطنية الديمقراطية…
التحق المودن، عقب الإفراج عنه، بالعمل في جريدة أنوال، التي كان يكتب فيها عن دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع، حيث ازعزعت كتاباته النقدية النظام السائد في فترة اتسمت بنهوض قوى التغيير (الكتلة الديمقراطية ومطالبها بتغيير الدستور في افق ملكية تسود ولا تحكم..) .
ويوم الخميس 19 مارس 1992، عندما خرج، عبد السلام المودن صباحا من بيته، في اتجاه محطة القطار،للذهاب من البيضاء إلى الرباط مقر جريدة أنوال، اختطفه 3 أشخاص وأدخلوه بالقوة والتهديد بالسلاح الأبيض إلى سيارة “فاركونيت”، ووضعوا عصابة على عينيه، واقتادوه إلى وجهة مجهولة…
عملية الاختطاف تلك، تقول جريدة انوال، جاءت في ظرفية سياسية بالغة الدقة، تتميز، آنذاك، بخاصيتين جوهريتين، يقول المودن، الخاصية الأولى، تكمن في احتداد الصراع الاجتماعي ومن أبرز مظاهره الحركات النضالية الاجتماعية الواسعة المنتشرة على صعيد الوطن ككل.. والخاصية الثانية، تكمن في احتداد الصراع السياسي المتمحور حول المسالة الدستورية، بحيث إن كل الأحزاب الوطنية والتقدمية المغربية آنذاك (حزب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي)، أصبحت تطرح بحدة مسألة تغيير الدستور. وكان الاختطاف، يقول عبد السلام المودن، رسالة من “أعداء الديمقراطية يحاولون وضع خطوط حمراء أمام النقابات العمالية المناضلة وأمام الأحزاب الوطنية التقدمية لكي لايتم تجاوزها، وعملية الاختطاف التي تعرضت إليها هي بمثابة رسالة موجهة لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي لدي شرف الانتماء إليها، ولجريدة أنوال الناطقة باسمها، حتى لايتم تجاوز تلك الخطوط الحمراء”.
اللافت أيضا أن عملية الاختطاف، التي اقترنت بالتهديد بالتصفية الجسدية، جاءت أيضا عقب أيام فقط على مقال رأي كتبه عبد السلام الموذن عن سطوة وزير الداخلية آنذاك إدريس البصري، وطالب بمحاكمته باعتباره يمثل رمزا يكثّف كل أشكال القمع والتزوير في تاريخ البلاد. حدث ذلك، في وقت لا أحد، يمينا ولا يسارا، كان بمقدوره أن يقول كلمة نقد ولو بالإشارة لإدريس البصري، الذي جعله بلاغ للديوان الملكي في السنة الموالية، ضمن مقدسات البلاد، عندما رفضت المعارضة أول عرض للتناوب الحكومي، فيما كانت أحزاب الكتلة آنذاك، تريد الانطلاق نحو تناوب ديمقراطي…
فيما يلي بعض شدرات من كتاباته الأخيرة قبل وفاته “الغامضة”:
بين ماض بائد ومستقبل مشرق
هذا النهوض السياسي التاريخي، يمكنه أن يتطور وينمو الى أن يحقق أهدافه، كما يمكنه أن يرتد ويتلاشى ويجهض
في رأيي، هناك نظريتان سياسيتان، يمكنهما أن تقودا الى الارتداد والتراجع
* النظرة الماضوية، من طبيعتها أنها تقرأ ميزان القوى بعين الماضي(…)وهي لذلك لا تدرك التحول النوعي الحاصل فيه.(…) وسلاحها هو الواقعية الزائفة والتبرير .
* النظرة المتدبدبة، ومن طبيعتها أنها في البداية تتموقع في الموقع الصائب وتتبنى المواقف السياسية السديدة وتنخرط في النضال بهمة وحماس واندفاع
الا أن مواقفها غير راسخة ، وغير نهائية، وبالتالي هي قابلة للتقلب والتدبدب. جريدة أنوال عدد 836 غشت 1992
ميزان القوى
هناك ثلاثة أشكال للممكن السياسي الواقعي ( تبعا لميزان القوى الموضوعي القائم ) وهي :
1 _ الحالة التي تكون فيها علاقة القوى، بين القطب المحافظ وقطب التغيير مختلة لصالح الاول. وفي هذه الحالة، يكون الممكن السياسي الواقعي محدودا جدا .. بمعنى أن قوى التغيير، لن تستطيع في هذه الشروط، انتزاع سوى مكتسبات هامشية من القوى المحافظة.
2 _ الحالة التي تكون فيها هذه القوى، متساوية بين قطب التغيير والقطب المحافظ. وفي هذه الحالة يكون الممكن السياسي الواقعي، هو تقاسم السلطة، كتعبير عن توازن القوى بين القطبين المتصارعين.
3 _ الحالة التي يكون فيها ميزان القوى مختلا لصالح قطب التغيير. وفي هذه الحالة، نكون في وضع ثوري يسمح بانتقال السلطة، من القطب المحافظ الى قطب التغيير. ( … ) وما أقصده بميزان القوى، ليس هو ميزان القوى السياسي بين النظام والقوى السياسية المعارضة، وانما هو ميزان القوى الطبقي الموضوعي العام .. أي علاقة القوى بين الطبقات المستفيدة من النظام القائم، والطبقات التي لا تستفيد منه .أنوال/ عدد 835/ 1992
الحاجة الى تغيير الروح
ربما أبلغ وأصدق تعبير، يترجم بعمق، هذه الحالة من الوعي المتوتر، التي يعيشها اليوم، المناضلون الثوريون الذين حلموا بمستقبل الشيوعية، هو تعبير ” الوعي الشقي ” الهجيلي. نعم اننا نعيش جميعا، في هذا الزمن الفوضوي حالة من الوعي الشقي. وشقاء وعينا يكمن، من جهة، في كون الحياة قد هزت قناعاتنا الفلسفية القديمة، وشككت في التصورات النظرية، التي طالما حملناها، عن الكون والتاريخ. ويكمن من جهة أخرى .. في استمرار تعلقنا بها، والخوف من القطيعة معها، نظرا لقوة وضغط العادة المترسخة فينا ..
هذا التمزق الفكري، بين النزوع الثوري نحو وعي فلسفي جديد، لم يترسخ بعد، والنزوع المحافظ نحو الوعي الفلسفي القديم، الذي لم يستسلم بعد، هو الوعي الشقي. الوعي الشقي، اذن ، هي الحالة التي يمر منها بالضرورة كل مناضل، وكل مثقف، يستنفره هوس التساؤل النقدي، والذي يدفع بتفكيره الى أقصى درجات توتره المنطقي، وليس المناضل المتشبت بقناعات راسخة مزعزومة .
أمام هذا التمزق الدرامي .. ما العمل؟
التاريخ أعطانا نوعين من المواقف النوذجية
الموقف الأول : موقف هيجل
لقد مات هيجل وهو يحمل معه الى قبره، وعيه الشقي، الذي لم يستطع أن يتحرر منه. ولهذا السبب نرى هيجل، في بعض كتبه، يدافع عن أطروحات ثورية تماما، و في كتب أخرى، يدافع عن أطروحات مناقضة تماما، ومحافظة تماما. هيجل هذا، المتناقض مع ذاته، المتردد، الوسطي في تفكيره، العاجز عن الحسم بشكل جذري .. لسنا في حاجة اليه
الموقف الثاني : موقف القائد العسكري المغربي الكبير طارق بن زياد
لما ذهب طارق بن زياد لفتح لفتح الأندلس، آتخذ قرارا ثوريا حاسما : احراق سفن جنوده، لجعل كل تفكير يغري بالتراجع الى الوراء، يصبح أمرا مستحيلا
ما أحوجنا اليوم الى درس طارق : احراق كل مفاهيمنا الفلسفية القديمة، لجعل التقدم نحو بلورة وعي فلسفي مادي جدلي جديد، أمرا ضروريا.
أنوال 7 / 2 / 1992