اقتصاد

إطلاق أنترنيت الجيل الخامس (5G).. المغرب يدخل عصر السرعة الفائقة

  الحنبلي عزيز      

دخل المغرب رسميًا عصر الجيل الخامس من الأنترنيت، بعد إعلان الفاعلين الثلاثة في سوق الاتصالات – اتصالات المغرب، أورنج المغرب، وإنوي – عن الشروع في تشغيل شبكاتهم التجارية للـ5G يوم الجمعة 7 نونبر 2025، في عدد من كبريات مدن المملكة. هذا الإطلاق المتزامن يأتي تتويجًا لمسار طويل من التحضير التنظيمي والتقني قادته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات في إطار استراتيجية “المغرب الرقمي 2030”. 

قبل الوصول إلى مرحلة التشغيل التجاري، أطلقت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، في يوليوز 2025، طلبًا للتنافس حول رخص إنشاء واستغلال شبكات 5G، حدد الإطار التنظيمي والتقني والمالي وشروط التغطية وجودة الخدمة. وقد تم في ما بعد منح الرخص للفاعلين الثلاثة مقابل التزامات استثمارية ضخمة، تقدر بمليارات الدراهم، بهدف تسريع التحول الرقمي وتعميم الأنترنيت ذي الصبيب العالي جدًا.

مع بداية نونبر 2025، أصبحت الصورة أوضح: الرسائل النصية القصيرة التي توصل بها المواطنون، وظهور رمز “5G” على شاشات الهواتف الذكية المتوافقة، أكدت أن الشبكة الجديدة أصبحت واقعًا، وأن عدداً من الأحياء الحضرية ومراكز الأعمال والمناطق الاستراتيجية باتت مغطاة فعليًا بهذه التكنولوجيا. 

لا يقتصر الجيل الخامس على كونه “أنترنيت أسرع” فحسب، بل يُنظر إليه كمنصة أساسية لاقتصاد جديد قائم على البيانات والذكاء الاصطناعي. من بين أبرز مميزاته التقنية:

  • سرعات تحميل وتنزيل قد تتجاوز 2 جيغابِت في الثانية في أفضل الظروف، أي أعلى بعدة مرات من سرعات الجيل الرابع المتقدم. 

  • زمن استجابة منخفض جدًا (latency)، ما يفتح الباب أمام تطبيقات فورية مثل الجراحة عن بعد، السيارات ذاتية القيادة، والألعاب السحابية بدون تقطّع. 

  • قدرة هائلة على استيعاب عدد كبير من الأجهزة المتصلة في الوقت نفسه، وهو ما تحتاجه المدن الذكية، والمصانع المؤتمتة، وشبكات الاستشعار في الفلاحة والبيئة.

بهذه الخصائص، يُنتظر أن تُحدث 5G قفزة نوعية في قطاعات الصناعة 4.0، اللوجستيك، الصحة الرقمية، التعليم عن بعد، السياحة الذكية، والخدمات العمومية المرقمنة.

يتقاطع إطلاق الجيل الخامس مع رهانات كبرى يتبناها المغرب في أفق 2030، من بينها التحضير لاحتضان تظاهرات رياضية عالمية مثل كأس العالم 2030، حيث تراهن المملكة على بنية تحتية رقمية متقدمة لتأمين البث عالي الجودة، والخدمات الذكية للجماهير، وإدارة الحشود والنقل بشكل أكثر فعالية.

السلطات العمومية كانت قد حدّدت أهدافًا طموحة: تغطية جزء مهم من الساكنة في أفق 2026، والاقتراب من 70% في أفق 2030، بالتوازي مع تعميم الألياف البصرية على ملايين الأسر والإدارات، حتى تستفيد 5G من دعامة قوية من حيث الربط الثابت عالي السعة. 

اقتصاديًا، يتوقع خبراء أن تساهم 5G في خلق قيمة مضافة بمليارات الدولارات خلال السنوات المقبلة، عبر تمكين الشركات الناشئة والمقاولات الصغرى والمتوسطة من ابتكار خدمات جديدة في مجالات مثل إنترنت الأشياء، معالجة البيانات الضخمة، والخدمات السحابية. كما يُرتقب أن تستفيد قطاعات حيوية كالفلاحة الدقيقة، الطاقات المتجددة، والنقل الذكي من هذه الطفرة. 

غير أن هذه الفرص ترافقها أسئلة وتحديات:

  • كيف سيتم ضمان أسعار منصفة للأنترنيت ذي الصبيب المرتفع في سياق يشكو فيه جزء من المواطنين أصلًا من كلفة البيانات المتنقلة؟

  • ما هي الإجراءات التي ستتخذها الشركات للحفاظ على جودة الخدمة واستقرار الصبيب، خاصة مع توقع ارتفاع الاستهلاك بشكل لافت بسبب البث عالي الدقة والألعاب والخدمات السحابية؟

  • إلى أي حد سيساهم الجيل الخامس في تقليص الفجوة الرقمية بين المدن والقرى، بدل تكريسها؟

هذه الأسئلة تضع مسؤولية مضاعفة على عاتق المنظم والفاعلين الاقتصاديين لضمان توزيع عادل لعوائد الثورة الرقمية الجديدة.

إلى جانب الجوانب التقنية والاقتصادية، حرصت السلطات على إدماج إطلاق 5G في رؤية شاملة للأمن الرقمي وحماية المعطيات الشخصية، خاصة مع الانتشار المتزايد للأجهزة المتصلة وتضاعف حجم البيانات المتداولة. الوثائق التأطيرية لطلبات العروض الخاصة برخص 5G تضمنت التزامات واضحة تتعلق بجودة الخدمة، وأمن الشبكات، واحترام المعايير الدولية في هذا المجال.

كما يتكامل هذا الورش مع الدينامية التي يعرفها المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، من خلال مبادرات تشجع البحث العلمي، الابتكار، واستقطاب الاستثمارات في الصناعات الرقمية المستقبلية.

إطلاق أنترنيت الجيل الخامس ليس حدثًا تقنيًا فحسب، بل هو محطة مفصلية في إعادة تشكيل علاقة المواطن بالفضاء الرقمي. فالتعليم، الصحة، الشغل، الترفيه، والخدمات الإدارية ستنتقل تدريجيًا إلى مستوى جديد من السرعة والتفاعل.

لكن نجاح هذه القفزة مشروط بـ:

  • تعميم الثقافة الرقمية حتى لا يتحول جزء من المجتمع إلى “هامش رقمي” غير قادر على مواكبة التغيرات؛

  • دعم المنظومة التعليمية والتكوينية لإعداد كفاءات قادرة على استغلال الإمكانات الكامنة في 5G؛

  • حوار دائم بين الدولة، الشركات، والمجتمع المدني لضمان أن يخدم التحول الرقمي المصلحة العامة، ويحترم الخصوصية والحقوق الأساسية.

بهذا المعنى، يشكل إطلاق الجيل الخامس في المغرب بداية فصل جديد من قصة التحول الرقمي، عنوانه: سرعة أعلى، فرص أكبر، ومسؤولية جماعية في توجيه هذه الثورة نحو تنمية شاملة وعادلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى