السيد الوزير،
وأنت تفسّر مضمون عرضك أمام البرلمان مؤخراً، حملتَ مسؤولية فشل المنظومة التربوية، بكل بساطة، إلى “سوء التفاهم بين المدير والمفتش”. وقلتَ إن المشكل لا يوجد لا في التلميذ، ولا في الأستاذ، ولا حتى في البيداغوجيات، بل في غياب الانسجام بين هذين الطرفين.
السيد الوزير،
أليس من المؤسف أن تُختزل أزمة عمرها عقود في خلاف إداري؟
أليست هذه المقاربة تبسيطاً مُخلاً لمعضلة شائكة تمسّ جوهر التعليم وجودته ومستقبله؟
من أين استمددتَ مثالك يا سيدي؟
وبما أنك لا تعرف أدنى معلومة عن مشاكل ولا تاريخ أزمات أخطر وأصعب قطاع في المغرب، ألتمس منكم السماح لي بأن أقدّم لكم مقتطفات من أسباب نزول بعض ما استشهدتَ به، حتى تُصحّح معلوماتك.
لقد استشهدتَ بمثالٍ تقول فيه إن المفتش لا يحق له دخول “القسم” — وهنا تقصد حجرة الدرس — إلا إذا رافقه المدير، مما يخلق شنآن بين الطرفين لأن المفتش يزور الأستاذ دون حضور المدير أو يتجاوزه …
والحقيقة، يا معالي الوزير، أن هذا المثال لا يصلح للاستدلال على وجود خلل بين الطرفين، لأن من يجلس إلى يمينك لا يعرف أسباب صدور المذكرة رقم 80 الصادرة بتاريخ 6 يونيو 1989 بشأن تنظيم المراقبة التربوية، التي تنصّ على مرافقة المدير للمفتش لأسباب تنظيمية بحتة.
فالعدد الكبير لأساتذة وقاعات سلكي الثانوي جعل المفتش، منذ سنة 1988، يطلب مرافقة المدير له إلى حجرة الدرس، لأنه يصعب عليه معرفة القاعة التي يوجد فيها الأستاذ المعني بالزيارة وسط العدد الكبير من الحجرات، وحتى لا يُحدث تشويشاً على باقي الأساتذة أثناء البحث عنه داخل الحجرات.
السيد الوزير،
إن من ابتكر لك هذا “المشجب” ليعلّق عليه إخفاقاته المزمنة لم ينتبه إلى أن التعليم الابتدائي – الذي يضم أكبر عدد من المديرين والمفتشين – لا تُطرح فيه هذه الإشكالية أصلاً.
فعدد الحجرات في كل مركزية أو فرعية محدود، ولا يمكن للمدير أن يكون في الوقت نفسه بكل الوحدات المدرسية التابعة له – (الوحدات هنا السيد الوزير تعني المركزية أوالفرعية) – كما أن كل الأساتذة يُؤطَّرون من طرف مفتش واحد أو اثنين فقط، كما هو الحال في المؤسسات التي شملها مشروع “الريادة”، وبالتالي، فإن مرافقة المدير للمفتش ليست ذات معنى ولا مطلب بالنسبة للتعليم الابتدائي، لكنها ضرورية في التعليم الثانوي، وهو ما طُلب بتنظيمه قانونياً منذ بداية الثمانينيات.
وللإشارة، السيد الوزير، فإن هذه العملية تمرّ في الغالب بسلاسة تامة، ولا تخلق أي مشكل يُذكر، باستثناء حالات نادرة جداً لا ترقى إلى مستوى النقاش تحت قبة البرلمان – تلك المؤسسة الدستورية التي خُصصت للنظر في المشاريع الكبرى، ونصوص القوانين، لا في الجزئيات الإدارية.
غياب البوصلة في التشخيص
السيد الوزير،
هل تنتظر ممّن شارك في أغلب الأزمات والإخفاقات أن يُقدّم لك الحقيقة؟
هل تنتظر ممّن شغل مناصب حساسة خلال البرنامج الاستعجالي – الذي لا تزال المحاكم المغربية تنظر في قضايا اختلاس أمواله، واختلالاته – أن يرشدك إلى مكمن الخلل؟
إنه من المفترض، حين يتحدث وزير التربية الوطنية، أن يكون صوته صدى للخبراء ونتاجاً لدراسة واقعية، لا مجرّد تكرار لما يُقال في الجلسات الخاصة، أو يُهمس في الأذن.
إن مشكل التعليم، أيها السيد الوزير السياسيى المحترم، لا يكمن في علاقة المفتش بالمدير، ولا علاقة المدير بالأستاذ أو المفتش بالأستاذ؛ فهؤلاء جميعاً أسرة واحدة تشتغل على التربية وبالتربية.
بل إن الأزمة الحقيقية تكمن في غياب رؤية استراتيجية متماسكة، وهشاشة التدبير المركزي، وتذبذب السياسات الإصلاحية التي تتغير مع كل حكومة دون تقييم أو مساءلة.
من يتحمل حقاً مسؤولية الفشل؟
هل يليق بوزير التربية، وهو المسؤول الأول عن القطاع، الممثل للسياسة التعليمية، أن يبحث عن “شماعة” يعلّق عليها فشل الحكومات المتعاقبة في إصلاح المنظومة المنظومة؟
إن المشهد التربوي، السيد الوزير، لا يحتاج إلى من يرصد أعراضه، بل إلى من يجرؤ على تشخيص علله الحقيقية:
ضعف التكوين، غياب التحفيز، تراجع مكانة الأستاذ، الاكتظاظ، انعدام العدالة المجالية، وتدبير مرتجل للموارد البشرية.
كلها أسباب واقعية لا علاقة لها بخلافٍ شخصي بين مديرٍ ومفتش.
الوزير… لا المراقب
الوزير، يا سيدي، ليس مجرّد متفرّج على مشاكل الميدان، بل هو من يُفترض أن يمتلك مفاتيح الحل، ومن غير اللائق أن يختزل صاحب القرار السياسي أخطر أزمة وطنية في حادثة ثانوية أو في “كلام المقاهي”، كما وصفها البعض.
كان المنتظَر منكم، السيد الوزير والسياسي المحترم، أن تتحدثوا بالأرقام، بالمؤشرات، وبالمشاريع الواقعية، لا بانطباعاتٍ متسرّعة تنال من صورة الأطر التربوية، وتُضعف الثقة في المنظومة أكثر مما هي ضعيفة.
كلمة أخيرة… من الميدان إليكم
السيد الوزير السياسي المحترم،
إذا أردتَ أن تفهم أزمة التعليم، فاسمع للمدرس في حجرة قسمه، وما يشكوه لله وحده…
واستمع للمدير في إدارته التي لا مساعد له فيها، فهو المدير والناظر والمعيد والحارس العام وحارس الأبواب في آنٍ واحد…
واستمع للمفتش في جولاته التي تتم في الغالب على نفقته الخاصة، أو سيراً على الأقدام في المناطق الوعرة…
واستمع للتلميذ في معاناته اليومية مع محفظته التي تزن ضعف وزنه، ومع طول الزمن المدرسي الذي يقضيه في حجرة القسم…
ولا تكتفِ بمن يجلس إلى جوارك يهمس بما يريدك أن تقول.
خاتمة
المدرسة المغربية ليست ضحية “سوء تفاهم” بين أعمدتها الثلاث، بل ضحية غياب الرؤية وانقطاع الحوار بين الوزارة والميدان، وتغليب الحسابات السياسية على المصلحة التربوية.
إن إصلاح التعليم يبدأ حين نملك الجرأة على
الاعتراف بأن الخلل في السياسات لا في الأشخاص.
عبد الرزاق بن شريج