عبد الرزاق بن شريج
كما سبقت الإشارة إليه في مقالتي السابقة الموسومة بـ«هل أتاك حديث المادة 28؟»، فإن الإشكالات التي تثيرها هذه المادة لا تقتصر على عيوبها الشكلية والتنظيمية، بل تمتد إلى ما هو أخطر من ذلك، أي إلى الآثار القانونية والمؤسساتية المترتبة عنها على السير العادي للنقابة، وعلى تماسكها الداخلي ومستقبلها التنظيمي والديمقراطي.
فالمادة 28، بصيغتها الحالية، تمس بجوهر المبادئ المؤطرة للعمل النقابي، وتفتح الباب أمام منزلقات قانونية وتنظيمية متعددة يمكن إجمالها فيما يلي:
أولاً: تقويض المشروعية الديمقراطية الداخلية
تنص المادة 28 على أن الاجتماعات تُعقد بعد تحقق النصاب القانوني، غير أنها تضيف إمكانية انعقاد الاجتماع «بمن حضر بعد مرور ساعة واحدة»، وهو ما يجعل من شرط النصاب مجرد إجراء شكلي قابل للتجاوز.
ويُعد هذا المقتضى متعارضاً مع روح القانون رقم 75.00 المتعلق بالجمعيات، ولا سيما المادة 9 منه، التي تُلزم بأن تُتخذ قرارات الأجهزة التقريرية بعد تحقق النصاب القانوني، كما يتنافى مع مبادئ القانون رقم 65.99 بمثابة مدونة الشغل، الذي يشترط احترام القواعد الديمقراطية في تسيير النقابات المهنية.
إن تجاوز النصاب بهذا الشكل يُفقد القرارات النقابية مشروعيتها، ويجعلها صادرة عن أقلية لا تمثل الإرادة الجماعية للأعضاء، مما يؤدي إلى تفريغ مؤسسات النقابة من مضمونها الديمقراطي ومساسها بشرعية القرار النقابي.
ثانياً: فتح الباب أمام التحكم والتلاعب بالقرارات
تُتيح المادة، بصيغتها الحالية، لأي مجموعة محدودة من الأعضاء إمكانية عقد اجتماع واتخاذ قرارات جوهرية باسم النقابة، حتى في غياب أغلبية المكتب أو المجلس.
ويُعد هذا الوضع مدخلاً للتحكم الفردي وتصفية الحسابات الداخلية، إذ يُمكن تمرير بيانات أو مواقف أو قرارات تنظيمية دون توافق أو تشاور، مما يُفضي إلى توترات داخلية وانقسام تنظيمي، ويُضعف الثقة بين الأجهزة والمنخرطين، في تعارض تام مع فلسفة العمل النقابي المبنية على التشاركية والمسؤولية الجماعية.
ثالثاً: مخالفة مبادئ العدالة وحسن النية في قانون الالتزامات والعقود
يُعتبر النظام الداخلي للنقابة عقداً تنظيمياً يربط الأعضاء فيما بينهم، ويخضع في جوهره لأحكام قانون الالتزامات والعقود.
وبموجب الفصل 231 من هذا القانون، يجب تنفيذ الالتزامات بحسن نية. غير أن منح أقلية من الأعضاء الحق في فرض قراراتها على أغلبية غائبة يُعد إخلالاً بمبدأ الإنصاف، ويجعل الالتزام التنظيمي مشوباً بسوء النية وعدم المشروعية.
كما أن الفصل 62 من القانون ذاته ينص على بطلان كل اتفاق مخالف للنظام العام، مما يجعل المادة 28 في صيغتها الحالية مخالفة للنظام العام النقابي، لأنها تمس قاعدة التمثيل الجماعي في اتخاذ القرار.
ويُستشف من ذلك أن كل قرار نقابي تم اتخاذه بناءً على هذه المادة، أو في ظل عدم تحقق النصاب، يُعد مشوباً بعيب جسيم في المشروعية، ويُعرّض مُتخِذِيه للمساءلة القانونية والتنظيمية.
وتجدر الإشارة إلى أن نقابة «ما» قد اتخذت قرارات مصيرية، سيكون لها ما بعدها، استناداً إلى حضور 19 عضواً من أصل 111 عضواً بالمجلس الوطني، بل إن المادة 28 نفسها تم تعديلها من الصيغة الأصلية «بعد مرور شهر» إلى الصيغة الحالية «بعد مرور ساعة»، في ظروف تُثير شبهة الانحراف في استعمال السلطة الداخلية.
رابعاً: تعارضها مع مبادئ التسيير الجماعي في القانون العام المغربي
يُقدم القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية نموذجاً واضحاً للتوازن بين فعالية الاجتماعات وضمان التمثيلية، إذ تنص المادة 43 منه على تأجيل الجلسة لثلاثة أيام في حالة عدم اكتمال النصاب، وليس عقدها بعد ساعة واحدة، رغم أن أغلب الأعضاء في هذه الحالة يوجدون داخل نفس الجماعة الترابية.
وبالتالي، فإن المادة 28، بالمقارنة، تُقحم النقابة في منطق إداري متسرّع لا يراعي أهمية النقاش والتشاور، وتُفرغ الاجتماعات من بعدها التمثيلي الحقيقي، مما يُفقد القرارات قوتها القانونية ومشروعيتها الأخلاقية.
خامساً: القابلية المرتفعة للطعن القضائي
من الناحية القانونية، تُعد القرارات الصادرة بناءً على اجتماعات لم يتحقق فيها النصاب مشوبة بعيب في الشكل والإجراءات، وبالتالي قابلة للإبطال أمام القضاء الإداري أو العادي.
وقد كرس القضاء المغربي هذا المبدأ في عدد من الأحكام، من بينها حكم المحكمة الإدارية بالرباط سنة 2018، الذي جاء فيه أن:
«القرارات الصادرة عن أجهزة التسيير دون تحقق النصاب القانوني تعتبر مشوبة بعيب في الشكل والإجراءات وقابلة للإبطال».
وكذلك حكم المحكمة الإدارية بفاس سنة 2021 في قضية مماثلة تخص جمعية مهنية.
وعليه، فإن أي قرار نقابي استند إلى المادة 28 يمكن أن يُعرّض النقابة لمخاطر التقاضي والإبطال، مما يُضعف استقرارها التنظيمي ويُهدد مكانتها القانونية والمؤسساتية.
سادساً: المسؤولية القانونية للمشاركين في الاجتماعات غير القانونية
يترتب عن المشاركة في اجتماعات تُعقد دون احترام النصاب، أو بناءً على مقتضى غير مشروع كالمادة 28، مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة على الأعضاء الحاضرين والمصوّتين، سواء بصفتهم أعضاءً في أجهزة تقريرية أو كشهود على اتخاذ قرارات غير قانونية.
ذلك أن المشاركة الفعلية في اجتماع مخالف للقانون تُعتبر مساهمة في خرق النظام العام النقابي، مما قد يُؤسس للمساءلة أمام القضاء، تبعاً لطبيعة القرارات المتخذة وآثارها.
سابعاً: النتائج الكارثية المحتملة على مستقبل النقابة
إن الإبقاء على المادة 28 بصيغتها الحالية سيؤدي إلى:
1- فقدان الشرعية التمثيلية داخل النقابة؛
2- تفشي النزاعات الداخلية وتعدد مراكز القرار؛
3- تراجع الثقة في القيادة والانسحاب الجماعي للمناضلين؛
4- إضعاف المصداقية التفاوضية أمام الوزارة والرأي العام؛
5- تعريض النقابة للطعن أو التجميد بسبب خرق مبادئ الديمقراطية الداخلية؛
6- مساءلة الأعضاء الحاضرين والمصادقين على قرارات غير شرعية أمام القضاء أو الأجهزة التنظيمية المختصة.
خاتمة
إن المادة 28، بصيغتها الحالية، ليست مجرد مادة تنظيمية ثانوية، بل آلية غير مشروعة تهدد الأسس الديمقراطية التي يقوم عليها العمل النقابي، وتُعرض النقابة لمخاطر قانونية وتنظيمية جسيمة.
لذلك، فإن مراجعتها ومراجعة كل القرارات المتخذة بناء عليها تمثل ضرورة قانونية وتنظيمية عاجلة لحماية النقابة من الانزلاق إلى منطق الأقلية المتحكمة، وضمان استمراريتها كمؤسسة جماعية تُجسد إرادة منخرطيها، لا إرادة أفرادها.
ولنا عودة لما ترتب وسيترتب عن أشهر وأغرب مادة “قانونية” في تاريخ القوانين منذ عهد حمو رابي