أخبار وطنية

الأمطار الأخيرة تبشر بموسم فلاحي جيد لكن تهديدات تغير المناخ تظل قائمة

أحمد رباص ـ تنوير
إن هطول الأمطار الذي شمل حاليا جزء كبير من المغرب يعطي الأمل للمجال الفلاحي، المتأثر بسنوات متتالية من الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج. ولكن إذا كانت هذه الأمطار توفر فترة راحة مرحب بها، فإنها لا تستطيع أن تخفي هشاشة النموذج الزراعي الذي يعتمد دائما على السماء. ويدعو الخبراء والمراقبون إلى تسريع تعبئة موارد المياه غير التقليدية وتعزيز المشورة الفلاحية لتكييف القطاع بشكل مستدام مع تغير المناخ.
ليت الأمطار تستمر في الهطول! إن قطرات المطر الأولى، التي تشمل حاليا جزء كبيرا من المملكة، تغذي الأمل بموسم فلاحي جيد هذا العام. إنها علامة مواساة لمجال فلاحي يعاني من ضائقة، يقوضه ارتفاع في الإجهاد المائي وتضخم في المدخلات الزراعية. كما أنها جلبت الارتياح لوزير الفلاحة احمد البواري، الذي كان ينتظر هذه القطرات الأولى ليتمكن، في الأيام القادمة، من إعطاء البداية الرسمية للموسم الفلاحي 2025-2026.
لكن هذه العودة لهطول الأمطار يجب ألا تجعل الدولة تنسى بأي حال من الأحوال الحاجة الملحة لتسريع مشاريع تعبئة المياه غير التقليدية – تحلية المياه، معالجة مياه الصرف الصحي – للاحتياجات الزراعية. إن ندرة هطول الأمطار من سنة إلى أخرى، نتيجة لتغير المناخ، تخلق حالة من عدم اليقين الدائم في المجال الفلاحي.
في تصريحه لإحدى الجرائد الوطنية،يشرح المهندس الفلاحي عبد الله گنوني قائلا: “أصبح الأمر حقيقة. في بداية كل موسم فلاحي ينتظر المزارعون، وخاصة المتخصصون في زراعة الحبوب. إنهم لا ينتظرون قطرات المطر الأولى لبدء زرعة أراضيهم فحسب، بل يجددون أيضًا كل عام الأمل في أن موسما فلاحيا سيكون ممطرا بما يكفي لتقليل العجز المائي الذي تفاقم خلال السنوات السابقة واستعادة عافية التربة. وفي أعقاب سنوات الجفاف هذه، عانت الأراضي الزراعية من تدهور إمكاناتها الإنتاجية. استنزفت التربة المواد العضوية، وفقدت رطوبتها الطبيعية، وتدهورت بنيتها، ما قلل من قدرتها على الاحتفاظ بالمياه وتغذية المحاصيل. وفي العديد من مناطق المملكة، أدى هذا الجفاف المستمر إلى التعقيم الجزئي للأراضي، والتعرية بفعل الرياح أو المياه، وأحياناً تملح التربة”.
بعيداً عن التأثير المادي، فإن ندرة المياه تعطل دورات الإنتاج وتدفع آلاف المزارعين، ولا سيما الصغار والمتوسطين منهم، إلى التخلي عن أراضيهم، أو، في حالات نادرة جداً، إلى إعادة تحول قسري تضعف التوازن السوسيوقتصادي في المناطق القروية.
وعندما سألت الجريدة السيد گنون: “لكن هل يمكننا أن نأمل في عودة هطول الأمطار إلى مستوياته السابقة، مع توزيع جيد في الزمان والمكان؟”، أجاب مانعا من إطلاق العنان للأحلام. ففي نظره يظل هذا السيناريو، في ظل تغير المناخ، مجرد خيال خالص. ورأى أن السماء لن تكون كريمة كما كانت من قبل. ولهذا السبب يجب على الدولة أن تراجع سياستها الفلاحية بشكل شامل. يتحدث بعض الناس اليوم عن إعادة تحويل المحاصيل. ومع ذلك، فحتى إعادة تحويل الأراضي الزراعية نحو المحاصيل ذات القيمة المضافة العالية أمر معقد للغاية في السياق الحالي، لأنه يعتمد على الري، الذي يعتمد في حد ذاته بشكل كبير على هطول الأمطار، يوضح گنون.
وفقا له، يجب على الدولة أيضا تعزيز المجلس الفلاحي. يعتمد النموذج الزراعي الجيد على نظام فعال للمشورة والدعم، يغطي جميع المناطق ويتكيف مع المهنة الزراعية في كل منطقة. المزارعون الصغار والمتوسطون هم الأكثر تضررا في الوضع الفلاحي الحالي. ولا تمتلك هذه الجهات الفاعلة الوسائل ولا الخبرة اللازمة لتكييف أراضيها مع السياق المناخي الحالي. وذكر بهذا الصدد مثال تقنيات الري الموفرة للمياه. ومن المؤكد أن الدولة استثمرت الكثير في توزيعها، لكن تجهيز نفسها بنظام الري بالتنقيط لا يضمن تلقائيًا توفير المياه. المزارع الذي لا ينصح به بشكل جيد لن يستخدمه بشكل مناسب ولن يحصل على النتائج المتوقعة. ويخلص المهندس الفلاحي إلى أن هذا ينطبق أيضًا على استخدام الأسمدة والمدخلات الزراعية الأخرى.
للتذكير، أصبح المغرب “نقطة مناخية ساخنة”، معرضة بشدة لآثار وتأثيرات تغير المناخ. منذ الستينيات، شهدت البلاد اتجاها ملحوظا للاحترار، مع متوسط زيادة ملحوظة قدرها 0.2 °C لكل عقد، وهو ما يتجاوز المتوسط العالمي. حدثت تسع من السنوات العشر الأكثر سخونة على الإطلاق في المغرب خلال العقدين الماضيين.
ويتبع هطول الأمطار اتجاها نزوليا عاما، مع أنظمة غير منتظمة بشكل متزايد، ومن المتوقع أن تزداد هذه التغييرات خلال العقود المقبلة. وتواجه المملكة ظواهر مناخية متطرفة تتميز بتغيرات قوية في درجات الحرارة، مما يؤدي إلى استمرار الجفاف في السهول شبه الصحراوية والفيضانات في المناطق الساحلية. وتؤثر هذه الأحداث على توافر المياه، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات كبيرة على الموارد الطبيعية والنظم البيئية وحصول الناس على مياه الشرب أو الري الزراعي.
تظهر البيانات المناخية من السنوات الخمس والعشرين الماضية أن المناخ متغير للغاية، مع اتجاهات ملحوظة نحو الاحترار وعجز في هطول الأمطار. بشكل عام، ارتفع متوسط درجة الحرارة، في جميع الفصول مجتمعة، من +0.6 إلى +1.4 °درجة مئوية حسب المنطقة على مدار الأربعين عاما الماضية. وقد تفاقمت هذه الزيادة بشكل خاص منذ الثمانينيات والتسعينيات، وهي الفترة التي صاحبتها زيادة في حالات الجفاف.
وتشير التوقعات المناخية، المستندة إلى التغيرات السنوية في هطول الأمطار ومتوسط درجات الحرارة وفقا للسيناريو المتفائل للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إلى أنه من المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة السنوية بمقدار 1 إلى 1.5 °درجة مئوية بحلول 2050-2080 في جميع أنحاء البلاد. وبحسب السيناريو المتشائم، يمكن أن تصل هذه الزيادة إلى 5 – 7 °C في جنوب شرق جبال الأطلس، ومن 4 – 5 °C في مناطق البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي والمناطق الوسطى، ومن 3 – 4 °C في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وكانت الفترة 2019-2022 هي الأكثر جفافا منذ الستينيات. وفي عام 2023، الذي تميز أيضًا بانخفاض مستوى هطول الأمطار، شهد المغرب خمس موجات حارة، بما في ذلك الرقم القياسي المطلق البالغ 50.4 °درجة مئوية المسجل في أگادير في غشت.
هناك حقيقة أخرى مثيرة للقلق: المغرب من بين اشد البلدان افتقارا إلى المياه في العالم ويقترب بسرعة من العتبة الحرجة للنقص المطلق، والتي تبلغ 500 متر مكعب لكل ساكن سنويا. وبحسب تقييم أولي لقابلية التأثر المناخي والبيئي، شهدت المملكة عجزاً في هطول الأمطار يقدر بنحو 32% منذ عام 2019.
ويقدر إجمالي الموارد المائية في المغرب بنحو 22 مليار متر مكعب، منها 18 مليار من المياه السطحية و4 مليارات من المياه الجوفية. منذ أواخر السبعينيات، انخفضت إمدادات المياه السطحية بشكل ملحوظ، من متوسط سنوي قدره 22 مليار متر مكعب إلى أحجام أقل، مما يعكس الانخفاض الهيكلي في توافر المياه في البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى