القضاء الإسباني يبرئ أبا من تهمة إهمال ابنته القاصر

أحمد رباص ـ تنوير
يوم واحد دون اصطحاب ابنتك لا يكفي لإدانتك بالإهمال، وفقًا للمحكمة العليا.
أصدرت المحكمة العليا، من خلال غرفتها الجنائية الثانية، حكمًا بتبرئة والد طفلة مُهمَلة لرفضه استلام ابنته القاصر بعد استدعائه من قِبل الحرس المدني. ويُمكن أن يُشكّل هذا القرار، الذي يتعلق بقضية نشأت في منطقة مدريد، سابقةً لحالات مماثلة أخرى في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك سبتة.
وتعتبر المحكمة العليا أن هذه الحادثة كانت معزولة، دون أي خطر حقيقي أو وشيك على القاصر، مما يُستبعد معه أي عواقب وخيمة.
وأصدرت المحكمة العليا، من خلال غرفتها الجنائية الثانية، حكما بتبرئة أب من تهمة الإهمال لرفضه استلام ابنته القاصر بعد استدعائه من قِبل الحرس المدني. ويُعدّ هذا القرار، الذي يتعلق بقضية نشأت في منطقة مدريد، سابقةً يُحتذى بها في حالات مماثلة أخرى في جميع أنحاء البلاد، بما فيها ذلك سبتة.
وتعتبر المحكمة العليا أن الحادثة كانت حادثة معزولة، دون أي خطر حقيقي أو وشيك على القاصر، مما يستبعد الطابع الجنائي لهذا السلوك.
وقد يكون لهذا الحكم تداعيات على التفسير المستقبلي لجريمة الإخلال بواجبات الوالدين، والمعروفة أيضا بالإهمال.
هذا، وقد وصلت القضية إلى المحكمة العليا بعد إجراءات قانونية مطولة. في الدرجة الأولى، أدانت المحكمة الجنائية رقم 6 في ألكالا دي إيناريس المتهم بتهمة إهمال الأسرة (المادة 226 من قانون العقوبات) وحكمت عليه بغرامة ستة أشهر.
لم ترغب الفتاة البالغة من العمر أربعة عشر عاما في العودة إلى والدها، الذي رفض اصطحابها من منزل صديقتها.
وأيدت محكمة مدريد الإقليمية (القسم السادس) الإدانة في الاستئناف. إلا أن الأب طعن أمام المحكمة العليا، مُجادلًا بأن رفضه اصطحاب ابنته كان حادثا معزولا، دون عواقب وخيمة أو نية خبيثة للتخلي عنها.
تشير الوقائع الثابتة إلى أنه في ظهيرة أحد أيام مارس 2022، ذهبت القاصر – البالغة من العمر 14 عاما – إلى منزل أحد معارفها لعدم رغبتها في العودة إلى والدها. أبلغت المرأة الأب بالحضور لاستلامها، لكنه رفض، رغم طلبات لاحقة من ضباط الحرس المدني. وأخيرا، استلمتها والدتها في اليوم الموالي من مركز الشرطة.
أيدت محكمة مدريد الإقليمية (القسم السادس) الإدانة في الاستئناف. إلا أن الأب طعن أمام المحكمة العليا، مدعيا أن رفضه استلام ابنته كان حادثا معزولا، دون عواقب وخيمة أو نية خبيثة للتخلي عنها.
في تحليلها القانوني، رددت المحكمة العليا أن جريمة عدم أداء واجبات الوالدين تقتضي سلوكا مُتعمّدا ومُستمرا، يُخلّف عواقب وخيمة أو مُحفوفة بالمخاطر على الطفل. ولا يُشكّل الإهمال العرضي جريمة.
وتُشير الدائرة الثانية إلى أن القانون الجنائي “لا يُمكنه التدخل في حالات كل خرق مدني أو عائلي”، ولكن فقط عندما يكون التقصير “جسيمًا بما يكفي لتعريض سلامة الطفل أو رفاهه أو نموه العام للخطر”.
وفي هذه الحالة المحددة، خلص الحكم إلى أن الأب فشل في أداء واجبه في الحماية، ولكن سلوكه لم يكن بالخطورة أو المدة اللازمة لاعتباره جريمة.
زيادة على ذلك، لم تكن القاصر “في خطر”، إذ كانت في منزل صديقتها، ثم وُضعت رهن الحبس الاحتياطي من قِبل السلطات حتى وصول والدتها. وبالتالي، لم يكن سلوكها “ضارا بما يكفي لتفعيل الحماية الجنائية”.
وتؤكد المحكمة العليا أن الجريمة الجنائية المُعرّفة في المادة 226 من قانون العقوبات تُعدّ “حكما جنائيا فارغا”، ما يعني أنها بحاجة إلى استكمالها بالالتزامات المدنية المنصوص عليها في القانون المدني، وتحديدا في المواد 154 وما بعدها، التي تُحدد واجبات الوالدين في الإعالة والتعليم والرعاية. كما يُعيد الحكم التأكيد على مبدإ التدخل الأدنى في القانون الجنائي، الذي يمنع تجريم أي نزاع عائلي أو فعل عصيان فردي.
وبناءً على ذلك، قررت الدائرة الثانية، القسم الجنائي، تأييد الاستئناف وتبرئة المدعى عليها، وأمرت المحكمة بدفع التكاليف تلقائيا. وقد صدر الحكم بإجماع القضاة.
بهذا الحكم، تُرسي المحكمة العليا معيارا تفسيريا جديدا بشأن حدود جريمة الإهمال، مؤكدةً أن التقصير الخطير والمستمر الذي يُشكل خطرًا حقيقيًا على الطفل فقط هو الذي يُمكن اعتباره جرائم جنائية.
يُشير خبراء قانون الأسرة إلى أن هذا المبدأ يُمكن أن يُشكل سابقةً مهمةً في القضايا التي تنطوي على نزاعات أو توترات عرضية بين الوالدين في ترتيبات الزيارة، مما يمنع نظام العدالة الجنائية من استبدال سُبُل الوساطة المدنية أو الأسرية.
يُضاف هذا الحكم إلى قراراتٍ حديثةٍ أخرى تُعزز دور المحكمة العليا كضامنٍ لتطبيقٍ متوازنٍ للقانون الجنائي، مع إعطاء الأولوية لرفاهية الطفل دون تجريم السلوك الذي لا يُشكل خطرا حقيقيا.


