افتتاحية

قرار جديد لمجلس الأمن حول غزة: هدنة هشة تحت الوصاية الدولية ومخاوف من تكريس الأمر الواقع

الحنبلي عزيز -تنوير

 صوّت مجلس الأمن الدولي، مساء الإثنين 17 نونبر 2025، على قرار جديد مثير للجدل بشأن غزة يحمل الرقم 2803، ويُكرّس ما يعرف بـ“خطة السلام في غزة” التي صاغتها الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، بعد حوالي سنتين من الحرب المدمّرة على القطاع. وقد حظي القرار بتأييد 13 عضواً وامتناع روسيا والصين عن التصويت، من دون أي معارضة، ما أتاح اعتماده رسميًا تحت بند “الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية”.

القرار 2803 يزكي “خطة السلام في غزة” التي تم التوصل إلى مرحلتها الأولى في أكتوبر الماضي، وأفضت إلى وقف إطلاق النار في 10 نونبر تقريباً وإبرام صفقة لتبادل الأسرى والرهائن بين إسرائيل وحركة حماس، مع استئناف جزئي للمساعدات الإنسانية. ويمنح القرار غطاءً دوليًا لتنفيذ بقية بنود الخطة خلال العامين المقبلين.

أبرز ما جاء في القرار:

  • الإقرار بخطة سلام متعددة المراحل بين إسرائيل وحماس، تتدرج من وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى إلى إعادة الإعمار وترتيبات سياسية جديدة.

  • الترحيب بتشكيل “مجلس السلام” (Board of Peace)، باعتباره هيئة انتقالية للإشراف على إدارة غزة وإعادة إعمارها، مع رئاسة مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفق الصيغة التي أقرتها الخطة الأمريكية.

  • تفويض نشر قوة دولية للاستقرار في غزة (International Stabilization Force) بولاية تمتد لسنتين، تتولى مهمة “نزع سلاح الفصائل” وتفكيك البنية العسكرية، وضمان انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية وفق “معايير ومراحل وجداول زمنية مرتبطة بعملية نزع السلاح”. 

  • السماح بتشكيل لجنة تنفيذية فلسطينية من “تكنوقراط” لتدبير الشؤون اليومية للسكان في القطاع، تحت إشراف مجلس السلام والقوة الدولية.

  • القرار يتضمن كذلك إشارات – وُصفت بالغامضة – إلى “مسار ذي مصداقية نحو تقرير المصير وبناء دولة فلسطينية مستقلة”، لكنه يربط أي تقدم سياسي بإصلاحات جوهرية داخل السلطة الفلسطينية وباستقرار الوضع الأمني وإعادة إعمار غزة.

يأتي القرار بعد ما يقرب من عامين من حرب إسرائيلية على غزة بدأت منذ هجمات 7 أكتوبر 2023، وخلّفت، وفق وزارة الصحة في غزة، ما يقارب 70 ألف شهيد وأكثر من 170 ألف جريح، في ظل دمار واسع بالبنية التحتية وانهيار شبه كامل للمنظومة الصحية والاقتصادية.

خلال هذه الفترة، فشل مجلس الأمن مرارًا في فرض وقف دائم لإطلاق النار، بسبب سلسلة من الفيتوهات الأمريكية ضد مشاريع قرارات تدعو إلى هدنة فورية غير مشروطة، قبل أن يمرّ قرار 2728 في مارس 2024 الذي طالب بوقف إطلاق النار خلال رمضان، ثم القرار 2735 في يونيو 2024 الذي دعا حماس إلى قبول اتفاق تبادل الأسرى ووقف دائم للحرب، دون أن يُنفَّذ فعليًا على الأرض.

قدمت الولايات المتحدة مشروع القرار، واعتبره سفيرها لدى الأمم المتحدة مايك وولتز “خارطة طريق نحو تقرير المصير الفلسطيني، حيث تحل أغصان الزيتون محل الصواريخ”، مؤكداً أن الخطة “تفكك قبضة حماس وتضمن أن تنهض غزة حرة من ظل الإرهاب، مزدهرة وآمنة”.

فرنسا رحّبت باعتماد القرار، واعتبرته مساهمة في ترسيخ وقف الحرب، ورفع مستوى المساعدات الإنسانية، ومنع عودة العنف، وفتح أفق سياسي حقيقي على أساس حل الدولتين. كما أشادت بدور مصر وقطر وتركيا في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الذي يشكل أساسًا للقرار الجديد.

دول عربية وإسلامية، وعلى رأسها الجزائر التي تحدثت باسم المجموعة العربية في المجلس، قبلت بالنص بعد إدخال تعديلات تعتبرها “أساسية” لضمان التوازن، أبرزها تأكيد عدم جواز الضم أو الاحتلال أو التهجير القسري، والتشديد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، مع اعتبار ملحق القرار جزءًا لا يتجزأ منه.

إسرائيل وافقت على المرحلة الأولى من خطة ترامب – أي وقف إطلاق النار والصفقة المتعلقة بالرهائن – ورأت في قرار مجلس الأمن خطوة تمنح “شرعية دولية” للترتيبات الأمنية المقترحة، لكنها ما زالت ترفض مبدأ قيام دولة فلسطينية. فقد أعاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عشية التصويت، التأكيد على معارضة حكومته “لإقامة دولة فلسطينية على أي شبر من الأرض”، تحت ضغط حلفائه اليمينيين المتطرفين، ما يثير تساؤلات حول مدى استعداد تل أبيب لتمكين أي مسار حقيقي نحو الدولة.

في غزة، رفضت حركة حماس والفصائل الفلسطينية القرار بشكل قاطع، ووصفته الحركة بأنه يفرض “آلية وصاية دولية على قطاع غزة يرفضها شعبنا وقواه المقاومة”، مؤكدة أنها لن تقبل بنزع سلاحها، وأن مقاومتها “مشروعة” ضد الاحتلال الإسرائيلي. وترى حماس أن القوة الدولية المقترحة ليست محايدة، بل ستتحول – وفق تعبيرها – إلى طرف منحاز لصالح إسرائيل من خلال مهمة “نزع سلاح المقاومة”.

في المقابل، رحبت السلطة الفلسطينية بالقرار وأبدت استعدادها للمساهمة في ترتيبات الحكم الانتقالي في غزة، بشرط أن تشكل هذه الترتيبات مدخلاً حقيقيًا لوحدة الضفة والقطاع في إطار مشروع دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

على الرغم من التفويض الذي يمنحه القرار للقوة الدولية، إلا أن أياً من الدول لم يعلن رسميًا حتى الآن استعداده لإرسال قوات إلى غزة، في ظل مخاوف حقيقية من الانخراط في مواجهة مباشرة مع حماس أو التورط في احتلال مقنّع للقطاع. كما تبدي بعض العواصم، مثل أبوظبي، تحفظات على المشاركة دون تحديد إطار قانوني واضح وصارم لعمل هذه القوة.

كما يثير “مجلس السلام” نفسه نقاشًا واسعًا؛ فوفق نصوص القرار والخطة الأمريكية، ستكون لهذه الهيئة سلطة واسعة على مسار إعادة الإعمار وترتيبات الحكم والأمن، مع إلزامها برفع تقارير إلى مجلس الأمن لكنها غير مقيدة فعليًا بقرارات السلطة الفلسطينية أو بمخرجات حوار وطني داخلي، ما يجعل كثيرين يرون فيه شكلاً جديدًا من الإدارة الدولية للقطاع.

تحليلات عديدة حذّرت من أن القرار، رغم حديثه عن “مسار نحو الدولة الفلسطينية”، يعكس قبل كل شيء اختلال موازين القوى على الأرض لصالح إسرائيل والولايات المتحدة، ويعيد إنتاج السيطرة على غزة بوجه جديد، بدلًا من معالجة جذور الصراع: الاحتلال، الاستيطان، والحصار. ويشير بعض المراقبين إلى أن اللغة الفضفاضة حول الدولة، وغياب آليات ملزمة لإنهاء الاحتلال ورفع الحصار ووقف الاستيطان، قد يحوّل القرار إلى أداة لإدارة الأزمة لا لإنهائها.

مع ذلك، يرى مؤيدو القرار أنه – رغم كل ثغراته – يمثل أول توافق داخل مجلس الأمن منذ اندلاع الحرب، وأنه قد يفتح نافذة لتثبيت وقف إطلاق النار، وتسريع وصول المساعدات، والشروع في إعادة الإعمار، بشرط أن يُستثمر الضغط الدولي لإلزام الأطراف كافة بروح النص وليس فقط بحرفيته.

يبقى مستقبل القرار 2803 مرهونًا بعدة عوامل متداخلة:

  • استعداد الدول للمشاركة في قوة الاستقرار وتحمل كلفة سياسية وميدانية عالية.

  • قدرة مجلس السلام واللجنة التنفيذية الفلسطينية على اكتساب شرعية داخلية في غزة، بعيدًا عن صورة “الوصاية المفروضة من الخارج”.

  • موقف إسرائيل من أي مسار فعلي نحو دولة فلسطينية، في ظل رفض حكومتها الحالي.

  • توازن العلاقة بين “إدارة ما بعد الحرب” وبين الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف.

إلى أن تتضح هذه العناصر، سيظل قرار مجلس الأمن الجديد موضع نقاش حاد في الساحة الفلسطينية والعربية والدولية، بين من يراه خطوة اضطرارية نحو إنهاء الكارثة الإنسانية في غزة، ومن يعتبره محاولة لإعادة هندسة مستقبل القطاع على مقاس موازين القوة لا على قاعدة العدالة والحقوق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى