اخبار جهوية

الدار البيضاء تحتضن ندوة التمرين الوطنية للمحامين: نقاش علمي وقانوني لتعزيز مهنة الدفاع وتحديث منظومتها

الحنبلي عزيز

  احتضنت قاعة المؤتمرات بنادي المحامين بالدار البيضاء،نهاية الأسبوع الجاري، فعاليات ندوة التمرين الوطنية التي جمعت محامين، باحثين، قضاة، وفاعلين في منظومة العدالة من مختلف جهات المملكة، في لقاء مهني يهدف إلى تبادل الخبرات وتعميق النقاش حول واقع مهنة المحاماة وآفاق تطويرها في ظل التحولات التشريعية والقضائية التي يشهدها المغرب.

وشكلت الندوة محطة مركزية في مسار التأطير والتكوين المستمر للمحامين المتمرنين، حيث تناولت محاور متعددة مرتبطة بقانون المهنة، أخلاقيات الدفاع، تطوير آليات الترافع، والمستجدات التشريعية ذات الصلة بقانون المسطرة الجنائية والمدنية، إضافة إلى مناقشة دور المحامي في حماية الحقوق والحريات وصون ضمانات المحاكمة العادلة.

وفي كلمة افتتاحية بالمناسبة، أكد نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء أن تنظيم هذه الندوة يندرج ضمن رؤية استراتيجية تهدف إلى الارتقاء بمستوى التكوين المهني وجودة المعرفة القانونية للمحامين الشباب، مشدداً على أن مهنة المحاماة لم تعد مجرد ممارسة تقليدية، بل صارت مجالاً يتقاطع فيه القانون مع التكنولوجيا، الاقتصاد، حقوق الإنسان، والأنظمة الدولية.

وأضاف النقيب أن مهنة الدفاع تواجه اليوم تحديات عديدة من قبيل رقمنة الإجراءات القضائية، تطور الجرائم العابرة للحدود، متطلبات العدالة الرقمية، وتغيّر انتظارات المجتمع، وهو ما يستدعي إعداد جيل جديد من المحامين قادر على التكيّف مع هذه التحولات وقيادة الإصلاح من داخل المهنة.

خلال هذه المناسبة، ألقى السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، كلمة افتتاحية عبّر في مستهلها عن اعتزازه بالتواجد بين أعضاء هيئة الدفاع، مؤكداً أن ندوة التمرين تشكل محطة متميزة يتسلم فيها جيل جديد من المحامين الشباب مشعل الدفاع عن القيم النبيلة للعدالة، لاسيما وأن هذه الدورة تحمل اسم الراحل النقيب عبد العزيز بنزاكور، إحدى القامات الحقوقية والوطنية البارزة.

وهنّأ السيد رئيس النيابة العامة المحامين المتمرنين على اختيارهم الالتحاق بمهنة المحاماة، التي وصفها بأنها مهنة عريقة ونبيلة وشريفة، تقوم على الإخلاص والانضباط والالتزام بمكارم الأخلاق واحترام قواعد المهنة وأعرافها. ودعاهم إلى الاستفادة من خبرات أساتذتهم ونقبائهم، والتحلي بالتواضع والاجتهاد والوفاء للقسم المهني باعتباره عهداً أخلاقياً ومهنياً يجب الحفاظ عليه طيلة مسارهم المهني.

وشدد السيد الوكيل العام للملك على أن المحاماة ليست مجرد ممارسة قانونية تقنية، بل هي قبل ذلك رسالة إنسانية للدفاع عن الحق والحرية، مستحضراً في هذا السياق النطق الملكي السامي الذي اعتبر أن رسالة المحامي رسالة نبيلة مستمدة من إحقاق الحق ورفع المظالم ومساعدة العدالة.

كما توقف في كلمته عند أهمية مواكبة التحولات القانونية والتكنولوجية التي يعرفها العالم اليوم، وفي مقدمتها تحديات العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي، داعياً إلى تعزيز التكوين المستمر وتحديث أساليب التدريب بما ينسجم مع مستجدات الممارسة المهنية، انسجاماً مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى الرفع من كفاءة المهن القانونية والانفتاح على العالم الرقمي.

وفي ختام كلمته، أكد السيد رئيس النيابة العامة أن شموخ مهنة المحاماة يظل مرتبطاً بنبل ممارسيها واستقامتهم، مشيراً إلى أن مستقبل هذه المهنة بين يدي الجيل الجديد من المحامين، الذي يُعوَّل عليه في صون مبادئ العدالة وخدمة المجتمع.

 و شارك وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في افتتاح ندوة التمرين الوطنية حيث أكد في كلمته أن مهنة المحاماة ظلت جزءا من عمق ممارسة السلطة ومناهِضة لتجاوزاتها، باعتبارها ركيزة في بناء دولة الحق والقانون والحريات. وأضاف أن هذه المهنة أسهمت في ضبط العلاقة بين المواطن وقيم العدالة والحق والقانون. وأشار وزير العدل إلى أن “المحامين الكلمة سلاحهم، والفكرة وسيلتهم”، مبرزا أنهم يعملون على صياغة الأحداث وبناء علاقات بين الفعل والمؤازر، وبين القاضي والماثل أمامه، وبين القانون والفعل ذاته.

وقد شهدت الندوة مداخلات نوعية قدمها أساتذة جامعيون وخبراء في القانون والقضاء، ناقشت مواضيع دقيقة مثل:

  • الترافع في القضايا الجنائية والحقوق الأساسية للمتهمين.

  • المحاماة وأخلاقيات المهنة في ظل التحولات الرقمية.

  • إشكاليات تنفيذ الأحكام القضائية وحماية الأمن القانوني.

  • المرافعة أمام محاكم التحكيم الوطنية والدولية.

كما خصصت جلسات لتبادل التجارب المهنية بين الأجيال داخل المهنة، في تقليد يعتبر من أهم ركائز مدرسة المحاماة المغربية، القائمة على التكوين العملي الميداني والتأطير المستمر.

واختُتمت أشغال الندوة بتوصيات عملية ركزت على ضرورة:

  • تعزيز التكوين المستمر الإجباري للمحامين المتمرنين.

  • دعم التخصصات القانونية الجديدة وعلى رأسها الجرائم الإلكترونية والتحكيم التجاري الدولي.

  • تسريع رقمنة ملفات التمرين وتمكين المتمرنين من أدوات العمل القانونية الرقمية.

  • مواصلة الحوار المؤسساتي بين هيئات المحامين ووزارة العدل حول إصلاح منظومة العدالة وقانون المهنة.

وتعد هيئة المحامين بالدار البيضاء من أكبر الهيئات المهنية في المغرب، ويُنظر إلى هذه الندوة بوصفها خطوة جديدة في مسار تحديث التكوين القانوني وترسيخ ثقافة المهنية والمسؤولية داخل مجتمع الدفاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى