الحنبلي عزيز -متابعة
عقدت اللجنة الوطنية لقطاع التعليم بالحزب الاشتراكي الموحد اجتماعاً مساء الاثنين 24 نونبر الجاري، في سياق انطلاق الموسم الدراسي 2025–2026، وفي ظل استمرار ما تعتبره أزمة بنيوية عميقة تعيشها المدرسة العمومية نتيجة تراكم سياسات عمومية “غير عادلة وغير رشيدة” انتهجتها الحكومات المتعاقبة، والتي تقول اللجنة إنها ازدادت حدة مع الحكومة الحالية التي تواصل نفس الاختيارات النيوليبرالية القائمة على تقليص الأدوار الاجتماعية للدولة والتدرج في تفريغ التعليم العمومي من وظائفه الدستورية والتاريخية.
وخصص هذا الاجتماع لتقييم ظروف الدخول المدرسي الجديد وقراءة توجهات السياسة التعليمية الرسمية، وفي مقدمتها مشروع “المدرسة الرائدة”، إلى جانب تحليل انعكاساتها التربوية والاجتماعية، والوقوف على الوضعية المهنية لنساء ورجال التعليم، في أفق بلورة تصور نضالي وسياسي منسجم مع المرجعية الاشتراكية للحزب، دفاعاً عن مدرسة عمومية موحدة، ديمقراطية ومجانية.
وسجلت اللجنة أن الموسم الدراسي الحالي انطلق، بحسب تقييمها، في ظل إعادة إنتاج نفس الاختلالات البنيوية التي راكمتها السياسات التعليمية للحكومات المتعاقبة، بسبب غياب إرادة سياسية حقيقية لإصلاح المدرسة العمومية واستمرار منطق التدبير المحاسباتي والانتقائي بدل الاستثمار العمومي الكافي. واعتبرت أن الخصاص المهول في البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية ما يزال ملموساً في عدد من المؤسسات التعليمية، خاصة في الوسط القروي والمناطق النائية، حيث توجد مؤسسات تفتقر حتى إلى المرافق الصحية والماء الصالح للشرب، في تناقض مع الخطاب الرسمي حول تكافؤ الفرص.
كما نبهت اللجنة إلى استفحال ظاهرتي الاكتظاظ وخصاص الأطر التربوية والإدارية، معتبرة أنهما نتيجة مباشرة لسياسات التقشف وتقليص التوظيف العمومي وسوء تدبير الموارد البشرية، بما يكرس تفاوتات جهويـة صارخة بين مناطق تعاني فائضاً وأخرى خصاصاً حاداً. واعتبرت أن هذه الاختلالات تعمقت خلال الموسم الحالي بسبب ما وصفته بالارتباك في تدبير الحركة الانتقالية، في مؤشر على ضعف الحكامة داخل الوزارة يمس، وفق تعبيرها، بحق أبناء وبنات الشعب المغربي في تعليم مستقر ومنتظم.
وفي سياق آخر، عبّرت اللجنة عن إدانتها الشديدة واستنكارها العميق لحادثة السير المميتة التي وقعت يوم الاثنين 24 نونبر 2025 بإقليم العرائش، والتي أودت بحياة المفتشة التربوية صفاء الزياني، وتسببت في تدهور الحالة الصحية لزميلتها شدى السرغيني وإصابة سائق السيارة بجروح متفاوتة الخطورة. وحمّلت اللجنة الحكومة المسؤولية الكاملة عن هذه الفاجعة، معتبرة أنها نتيجة “استهتار متواصل بأرواح العاملات والعاملين في القطاع العمومي” وتقصير في ضمان شروط السلامة الطرقية وتوفير نقل مهني وآمن أثناء أداء المهام الرسمية. وتقدمت بأحر التعازي إلى أسرة الفقيدة وزميلاتها وزملائها، مؤكدة أن الحادثة ليست واقعة معزولة بقدر ما تعكس، بحسبها، سياسات لا تولي ما يكفي من القيمة لحياة الموظفين.
وبخصوص مشروع “المدرسة الرائدة”، اعتبرت اللجنة أنه يشكل استمراراً لما تسميه “منطق التجريب الفوقي” للسياسات العمومية دون توفير الشروط المادية والبيداغوجية الضرورية لإنجاحه، خاصة في السلك الإعدادي حيث ما يزال النقص واضحاً في الوسائل التعليمية والموارد الرقمية. وانتقدت ما وصفته بغياب نقاش ديمقراطي حقيقي حول هذا المشروع، وعدم استناده إلى دراسات علمية مقارنة تراعي الخصوصيات الوطنية، مما يثير، في نظرها، تساؤلات حول أهدافه الفعلية وإمكانية توظيفه كمدخل لإعادة هيكلة التعليم العمومي وفق منطق السوق وتوسيع أدوار التعليم الخصوصي، في تناقض مع مبدأ الإنصاف والمساواة في الولوج إلى التعليم. كما حذرت من تعميم المشروع في أفق 2027 دون تقييم شامل ومستقل، معتبرة ذلك “مخاطرة بمستقبل المدرسة العمومية”.
وفي الجانب التشريعي، رأت اللجنة أن المصادقة على مشروع قانون 21-59 تمثل استمراراً لنهج حكومي “أحادي”، وامتداداً لمقتضيات القانون الإطار 51-17 الذي ترى فيه أرضية لتراجع الدولة عن مسؤوليتها في ضمان الحق في التعليم. كما عبرت عن قلقها من غياب التنصيص الصريح على مجانية التعليم، مقابل ما تصفه بـ“توازن مختل” بين العمومي والخصوصي، وفتح الباب أمام تنويع مصادر التمويل عبر الجماعات الترابية والشراكات بين القطاعين العام والخاص، بما من شأنه تحميل الأسر الشعبية والمتوسطة جزءاً متزايداً من كلفة التمدرس وتحويل التعليم من حق اجتماعي إلى خدمة مؤدى عنها.
وتوقفت اللجنة أيضاً عند ما تعتبره استمرار تجاهل الملفات المهنية والاجتماعية لفئات واسعة من العاملات والعاملين في قطاع التعليم، معتبرة أن هذا التجاهل يعكس رؤية حكومية تختزل الموارد البشرية في أرقام وكلفة مالية بدل اعتبارها ركيزة لأي إصلاح حقيقي. وأشارت في هذا السياق إلى ملفات المقصيين من خارج السلم، والحق في الأثر الرجعي الإداري والمالي لاتفاق 26 أبريل 2011، وضحايا الأنظمة الأساسية السابقة، والزنزانة 10، والدكاترة العاملين بوزارة التربية الوطنية، والمتصرفين التربويين، وغيرها من الملفات التي ظلت، وفق تعبيرها، “مفتوحة دون حلول”، مما يرفع منسوب الاحتقان ويهدد السلم الاجتماعي داخل المنظومة.
وفي قراءتها للوضع النقابي، أكدت اللجنة الوطنية لقطاع التعليم أن النقابات التعليمية الوطنية تبقى مكوناً أساسياً في معركة الدفاع عن المدرسة العمومية وحقوق الشغيلة التعليمية، محملة إياها “مسؤولية تاريخية” في مواجهة السياسات الحكومية التي ترى أنها تستهدف تفكيك التعليم العمومي، وداعية إلى توحيد النضالات وتجاوز منطق التدبير الظرفي أو التوافقات الهشة.
وختمت اللجنة اجتماعها بالتعبير عن تقديرها لما وصفته بنضالات وصمود نساء ورجال التعليم في مواجهة تبعات السياسات العمومية، داعية إلى تعزيز الوعي الجماعي والوحدة للدفاع عن المدرسة العمومية باعتبارها “مكسباً شعبياً لا يجوز التفريط فيه” ولصون كرامة العاملين بها. كما أعلنت عزمها عقد المجلس الوطني الثاني لقطاع التعليم بالحزب الاشتراكي الموحد وإطلاق برنامج عمل سياسي ونضالي وإشعاعي للترافع من أجل حق المغاربة في تعليم عمومي مجاني، ديمقراطي، جيد وموحد.