طريق الوعي متعدّد الاتجاهات، فأين المسير؟ عزيز بن يزيد

نبحث عن مزيد وعي ما استطعنا إلى ذلك اكتسابا. ليكن وعيا يسعدنا ولا يسبّب شقاء ومرضا لذواتنا وأنفسنا وما قد به تجنّ عقولنا.
نريده وعياً كافياً شافيا للغليل المعرفي .وعيًا بما يحدث من حولنا، ووعيا بحوهر وجودنا، ووعيا بمسؤولياتنا وواجباتنا كافراد ومجتمع وفاعلين وهيئات ومنظمات وقوى ودولة ومجتمع دولي…
فما هو الوعي قبل أن نتعلّق بأهذابه وننشد باحة حدائقه ؟!
كان دوستويفسكي، في رواية” الجريمة والعقاب”، واضحا في ابداء تشاؤمه تجاه الوعي وما يأتي من ورائه! لنمعن الفهم ونستنطق الحروف رغم صراحتها ووضوحها “كان يتمنى لو فقد الوعي وخسر الإحساس، حتى إذا ما استفاق، كان كل شيء قد أضحى منسياً فيعود إلى حياة جديدة لا أفكار محزنة فيها ولا تفكير”.
فالوعي لدى دوستويفسكي مرض وعلّة لا أقلّ ولا أكثر :
في رواية ( في قبوي ) على لسان بطل الرواية استعمل القسم لحسم الكلام عن فحوى الوعي وماهيته: “أقسم لكم بأغلظ الإيمان أيها السادة أن شدة الإدراك مرض ، مَرض حقيقى خطير ، إن إدراكاً عادياً هو ، من أجل حاجات الإنسان ، أكثر من كاف”.
بينما كارل ماركس ذهب مذهبا آخر فهو يعتدّ بالوجود الاجتماعي للناس كمحدّد ومبلور للوعي ويقول نافيا أيّ دور للوعي في تحديد وجود المجتمع: “ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، وإنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم .
وعن نيتشه وصلنا أمر آخر فيه الانسان يمكن أن يحيا في استقلال عن الوعي: “إن بإمكان الإنسان أن يعيش حياته في استقلال عن الوعي تماما، ولما كانت الحياة البشرية معرضة للهلاك بوصفها حياة يؤطرها الصراع من أجل البقاء اضطر الإنسان لأن يعبر عن نفسه في كلمات، ومن ثم يكون نمو اللغة ونمو الوعي متلازمين. هكذا اختلق الإنسان لنفسه أوهاما، كالواجب والمسؤولية والحرية والوعي… إلخ، فالحقائق في العمق ليست إلا أوهاما”.
لكن سيغموند فرويد لم يستوعب ولم يقبل وجهة نظر نيتشه فكان لابد من ردّ توضيحي لرأيه حول الوعي الذي اعتبره ناقص بذاته مكتمل بعوامل أخرى لازمة له ولا يصحّ وضع آلة تمفصل بينهما: “إننا مخطئون جدا إذا نسبنا كل سلوكياتنا إلى الوعي وحدهُ، لأن كل هذه الأفعال الواعية تبقى غير متماسكة وغير قابلة للفهم إذا اضطررنا إلى القول إنه لا بد أن ندرك بواسطة الوعي كل ما يجري فيناإن الحياة الإنسانية أشبه بجبل الجليد، وما يظهر منه أقل بكثير مما هو خفي ..”